بانوراما دراما رمضان العربية 2019 (دراسة نقدية)
حافظ قرقوط:
جرت العادة منذ أن توسع البث الفضائي لمحطات التلفزة، وأصبح التنافس سيِّد الموقف لجذب المزيد من المتابعين، غدا شهر رمضان أشبه بمهرجان فني تتسابق فيه المحطات على عروضها الخاصة، ومنها وجبة الدراما التلفزيونية، فنَمَت لأجل تغذية الطلب على ذلك عشرات الشركات المنتجة للدراما على الساحة العربية، وغالباً ما كانت دول الخليج العربي مصدراً للدعم المادي للمسلسلات الهامة، فهي تدير مساحة كبيرة من سوق الإنتاج والتسويق والعرض بسبب توفر المال والمحطات التي استطاعت أن تتميز وتلفت نظر جمهور عربي واسع الطيف وتنفرد في بعض العروض الحصرية لبعض المسلسلات.
تؤثر الدراما بشكل أو بآخر بسلوك الناس وعاداتهم إما سلباً أو إيجاباً، ورؤيتهم لبعض الأمور من خلال تكرار حالة أو التركيز عليها لتصبح مألوفة، وذلك بعد أن أصبحت ضيفاً في البيوت، وحتى المطاعم والمقاهي وغيرها من الأماكن العامة، ولها تأثيرها في تشكيل بعض سلوكيتهم سلباً أو إيجاباً، فالدراما تعكس ثقافة المجتمع وقد تخلق ثقافة جديدة فيه، قد تبني وقد تهدم قيماً،1 وفي جميع الأحوال هناك عوامل كثيرة دفعت بالدراما لتكون إحدى أهم العناوين العربية لشهر رمضان.
حجم الانتاج الدرامي وتنوعه
قدم صنّاع الدراما السورية في هذا الموسم الرمضاني 34 مسلسلاً منوعاً2 منها النمط البيئي الشامي المعتاد بعدد وصل إلى ستة مسلسلات مختلفة أحدها الجزء العاشر من باب الحارة، بالإضافة إلى ثمانية مسلسلات كوميدية وعشرة مسلسلات اجتماعية، وسبعة مسلسلات مشتركة بوجود ممثلين عرب.3 وقدمت الشركات المصرية أكثر من 24 مسلسلاً تتنوع الأفكار فيها بين الاجتماعي العادي الذي يلامس حياة الناس، والأكشن الممزوج بالعنف والجريمة والتحدي مع دراما للبيئة الصعيدية، بالإضافة إلى بعض المسلسلات الكوميدية.4
فيما تقدم الدراما الخليجية عدداً من الأعمال، منها 9 مسلسلات سعودية5 بين التراجيديا والكوميديا مع عمل تاريخي واحد، وأنتجت الشركات الكويتية هذا العام 12 مسلسلاً، منها التراجيدي/الاجتماعي الذي يركز على العلاقات الإنسانية، ومنها الكوميدي، مع مسلسل يرصد أحداثاً في محافظة الأحمدي الكويتية6 في المغرب العربي قدمت القنوات التونسية نحو 10 مسلسلات بين الاجتماعي والكوميدي،7 فيما قدمت الدراما الليبية مسلسلاً تاريخياً يرصد جزءاً من تاريخ ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نصّبت على ليبيا إدارة بريطانية بعد هزيمة إيطاليا، ورصد العمل الحياة الاجتماعية في مدينة طرابلس في ذلك الزمن، وقد شارك فيه عدد من الممثلين العرب،8 وهناك 6 مسلسلات جزائرية بين الكوميدي والتراجيدي منها مسلسل اجتماعي مشترك مع ممثلين سوريين،9 كما أنتجت الدراما الأردنية مسلسلين، والدراما اللبنانية أكثر من 10 مسلسلات أغلبها مشترك مع سورية، وعلى هذا تصبح محصلة الإنتاج الدرامي لهذا العام أكثر من 110 مسلسلات عربية توزعت شاشات التلفزة المختلفة خلال شهر رمضان الحالي، وإن بلهجات مختلفة، مضافاً إليها ما يدبلج من مسلسلات تركية.
تقييم الأعمال الفنية
لا يمكن لأي ناقد أو حتى مهرجان فني متكامل بلجانه أن يشاهد ويعطي رأياً في كل هذا الكم من الإنتاج، وخاصة أن هناك برامج ترفيهية أخرى تقوم التلفزيونات بتقديمها، وهي أيضاً متنوعة وبعضها قد تكون كلفته مرتفعة، وكلها لجذب المتابعين لهذه المحطة أو تلك، لكن من المهم الإشارة إلى أنَّ أي نقد فني لعمل معين لا يمكن أن يجري من خلال رؤية كلية أو نظرة عامة، فالمسلسل يحوي عناصر مختلفة ومتكاملة بعضها ببعض ما يستلزم دائماً الأخذ بالحسبان العناصر المشكلة له كافة، فـ: (من الفكرة إلى السيناريو والحوار لنص متكامل كذلك الإخراج، والصورة والصوت والموسيقى والديكور وبقية المؤثرات وأداء الممثلين الأساسيين وحتى أصحاب الأدوار الثانوية)، وكل هذا له لجان متخصصة في التقييم، ولا شك في أن الرؤية العامة لعمل فيه تكامل انسيابي متقن بين مكوناته سيكون مهماً وواضح المعالم أكثر من النظرة الشمولية، لكن هناك مسائل هامة تلعب دوراً في متابعة الجمهور لهذا العمل أو ذاك، تؤخذ بالحسبان، ومنها الدعاية المرافقة، وهي مادة خادعة توجّه رغبة المشاهدين على نحو أو آخر، وهذا على سبيل المثال ما رافق أجزاء مسلسل شامي شهير هو باب الحارة إذ تعددت أجزاؤه وارتفعت نسبة المشاهدة بتأثير المادة الدعائية، حتى الخلافات التي رافقت عرض أجزائه باستبعاد ممثل لسبب ما في غالبه قد يكون مادياً، ثم إعادته بتوليفة درامية يعتقد المخرج بأنها حبكة متقنة كما فعل مع عباس النوري في شخصية “أبو عصام”، لكن كان من الواضح أنها مفبركة ولا تمتُّ للدراما بصلة سوى الصفقة الإنتاجية، ويمكنني أن أسرد هنا أن “معمر القذافي” عند زيارته سورية كان قد طلب من مرافقيه إبلاغ بعض الممثلين أنه يريد لقاءهم ومنهم عباس النوري الذي قال لي بعد اللقاء إن القذافي سأله عن غياب شخصية أبي عصام من باب الحارة، فأجابه النوري إن المخرج قرر ذلك، فقال القذافي إنه سيخبر المخرج بوجوب إعادة أبي عصام للمسلسل، ولا أدري إن كان القذافي طالب المخرج بذلك أم إن الصفقة كانت خارج هذه الحسابات.
العملية الإنتاجية والتنافس المادي
التافس الدرامي هو تنافس أساسه المال، وهو عملية تصنيع متكاملة ابتداء من صياغة الفكرة إلى آخر لمسة على تجهيز الفيديو للعرض في حالة فنية تنافسية، تخضع لعملية العرض والطلب، وهو أيضاً الباب الذي يتم من خلاله استقطاب الممثلين بصفتهم نجوماً، وحتى كلمة نجم هي حالة تصنيعية وإن كانت مرافقة لوجود موهبة، لكن ظروفاً معينة تفرض التركيز على بعض الشخصيات دون سواها، بعضها يعود لعلاقات غير مرئية، وخاصة في الدول العربية التي تتدخل أجهزة المخابرات فيها، وكذلك القرار السياسي في كل شاردة وواردة، تكون أمور عدة محسوبة بدقة، وخاصة أن الممثل أو الممثلة سيصبح كل منهما من الشخصيات العامة المؤثرة في المجتمع، وعلى هذا أدارت السلطات الحالة الدرامية وأمسكت بخيوطها كافة، وتبادلت المنافع مع عدة أطراف، وكان ذلك واضحاً بعد ثورات الربيع العربي، وخاصة في مصر وسورية، إذ كانت دراما شهر رمضان 2019 لا تختلف عن سابقاتها من مواسم، إلا بما حوته من وضوح أكثر فيما وصلت إليه الحالة بين المجتمعات والسلطات.
الدراما المصرية 2019
أثيرت تساؤلات حول صناعة الدراما المصرية هذا الموسم كما الموسم السابق حول أسباب انخفاض عدد الأعمال المنتجة إلى أكثر من النصف،10 واحتكار جهة إنتاج واحدة تابعة لـ “مجموعة إعلام المصريين” التي تسيطر على أغلب المنصات الإعلامية،11 فقد برَّرها بعضهم بارتفاع أجور النجوم الكبار بشكل مبالغ فيه، وتخفيض العدد سيحدّ من سطوتهم، أيضاً للمحافظة على ربح الشركات المنتجة والقنوات العارضة، أما المعارضون لهذه الفكرة فيحذرون من احتكار الإنتاج الدرامي لصالح جهات بعينها تمتلك القرار مع شركات حديثة الولادة، ما جعل بعض الممثلين يعزفون عن العمل، لكن كان هنالك حديث عن رقابة الأجهزة على مضمون المسلسلات، تحت عنوان المعايير الأخلاقية والأمنية، وقد رأت بعض التقارير الصحفية أن المسلسلات الرمضانية هي آخر ضحايا الرقابة، وذلك لمعرفتها بأنه في شهر رمضان ترتفع نسبة المشاهدات التلفزيونية،12 لهذا طبخت المسلسلات في أروقة معينة، فمسلسل “كلبش” يرصد حياة ضابط يعود إلى الخدمة بسب إحباطه هجوماً إرهابياً ضد مصر. وكتب الصحفي ماجد عاطف ينتقد يد السلطات التي امتدت إلى كل شيء، منها الدراما التليفزيونية، وأن ما حصل في رمضان الحالي يعدُّ نموذجاً مصغراً لتغوّل يد الجنرالات وسيطرتهم على التفاصيل كافة،13 فالممثلة غادة عبد الرازق كتبت على حسابها في أنستغرام: “إن ما يحصل هو حرب لمنعها وفنانين آخرين من العمل، وقالت إن الشركة المنتجة مرتبطة بأجهزة متنفذة”، ثم حذفت ما كتبته14.
أجهزة الأمن والفن
إنّ تدخّل الأجهزة في الإنتاج الدرامي هو من ضمن المحاولات لإعادة تثقيف المجتمع15 بما يتناسب مع هذه المرحلة، وهذا واضح في الدراما المصرية والسورية وكلاهما يعبران عن ردة الفعل على الربيع العربي، حتى وإن كان حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو ناتج عن تغيرات سياسية بسبب محطة الربيع العربي في مصر، إلا أن نهج الجنرالات في الحكم مازال مستمراً، بحسب نيويورك تايمز الأميركية، فقد طلبت أجهزة الأمن من المنتجين والمخرجين أن تتضمن المسلسلات الإشادة بالشرطة والجيش، وكل من يخالف ذلك لن يبث إنتاجه خلال رمضان،16 وبرز في هذا الموسم مشاهد مصممة بطريقة الأكشن ولغرض الإثارة، فركزت على مؤثرات لأجل الرعب بما فيها الأصوات وحركة الكاميرة والأضواء في بعض المشاهد، مع وجود جرائم غامضة وعمليات خطف وما إلى ذلك في أغلب المسلسلات، ولاحظ عدد من المتابعين شبه غياب للمشاهِد الاجتماعية الهادئة،17 إذ ترى مشاهد الإثارة في مسلسلات “كلبش”،3 و”زلزال”، و”لمس أكتاف”، و”آخر نَفَس”، و”علامة استفهام”، و”زي الشمس”، و”هوجان”، و”قابيل”، بينما برز شيء من الاهتمام في الأعمال الكوميدية: “سوبر ميرو”، “فكرة بمليون جنيه”، “البرنسيسة بيسة”،18 ولكن لا توجد أعمال لها طابع سياسي مباشر. تعد الدراما المصرية ملهمة لبقية صناع الدراما العربية، وقد تصدرت سوق الإنتاج السنوي، كما تصدرت نسبة المتابعين لها، ولكن بدأت عناصر الأزمة التي يمر بها الموسم الحالي تتكشف شيئاً فشيئاً منذ عدة أشهر قبل الوصول للعرض الرمضاني، إذ شهدت الساحة الفنية الكثير من السجالات والتوقعات، وكان ترقب لمسلسلات يقودها بعض النجوم كعادل إمام وغيره، ولكن أعمالهم توقفت عن التصوير والمتابعة بعد انطلاقتها، وعلى الرغم من التبريرات السابقة إلا أنَّ هناك أسباباً ما زالت غامضة عن تغيّب عدد مهم من أولئك الفنانين المصريين المصنفين نجوماً عن رمضان الحالي، ما أدى إلى انخفاض في عدد المسلسلات إذ وُصف هذا الموسم بأنه الأصعب، 19 وأياً كانت تلك الأسباب فإن ما يعرض حالياً لم ينجُ من الرقابة المستمرة حتى أثناء عرضه، فقالت لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلان بعد اجتماعها في 30 أيار/مايو، أي قبل نهاية شهر رمضان بنحو أسبوع، إن عملية الرصد التي تقوم بها تؤكد انخفاض معدل المخالفات إلى النصف في الأسبوع الثالث من العرض مقارنة بالأسبوعين السابقين، ورأت أن المخالفات كانت بالألفاظ السوقية المتدنية بنسبة 65 بالمئة، وأن هناك 3 مسلسلات كانت الأقل في عدد المخالفات، هي: “حكايتي”، و”لآخر نفس”، و”طلقة حظ”، وستقدم اللجنة تقريراً شاملاً عن الموضوعات التي تضمنتها المسلسلات كافة في نهاية الموسم وعن قربها أو بعدها عن القضايا المطروحة، وناقشت أسباب غياب المسلسل التاريخي والديني، وكيفية توظيف فنون الترفيه لصالح المجتمع باعتبارها المستقبل الرئيس للأعمال20.
وهذا إن دلَّ على شيء، فهو يدل على كيفية توضيب الطبخة الدرامية وطريقة متابعتها رقابياً إلى آخر لحظة، وهو تساؤل رئيس يُطرح عن حجم الحرية المعطاة لكادر العمل.
التنفاس الإنتاجي
يشار إلى أن التنافس على الساحة العربية في مجال الإنتاج الدرامي كانت أرضيته محدودة فيما سبق، كون مصر قد تصدرت قمة الدول العربية المنتجة للفن منذ أيام البث التلفزيوني الأرضي وقبل أن تنتشر التلفزيونات الملونة، ولكن بعد انتشار البث الفضائي، وتوسعه أخذت الدراما السورية تحجز مكانها في السوق الفنية، وتنافس على كسب الجمهور الذي أخذ يعتاد اللهجة السورية في الدراما، لتتوسع شركات الإنتاج وأعداد العاملين في هذا الوسط لتصل إلى حدود التنافس القوي والمباشر مع الإنتاج المصري، وأصبحت جزءاً من هذه المائدة الرمضانية وذلك مع بداية الألفية الجديدة، وبدأت الدراما الخليجية بدورها تتقدم ولكنها لم تصل إلى متابعة عربية واسعة أو عرض في محطات مختلفة كما المصرية والسورية، ربما بسبب خصوصية اللهجة ابتعد قسم من الجمهور العربي عن الدراما التي تخصُّ بعض الدول العربية فهناك صعوبة في تفسير بعض الكلمات الغارقة في المحلية، وقد يبدو هذا أكثر وضوحاً في الدراما المغاربية، فلا يتوفر منفذ ترفيه لدى هذا الجمهور بشكل واسع سوى هذه الشاشة الصغيرة، فيبحث عما يشبه شيئاً من تفاصيله أو متعته.
الدراما السورية 2019
الدراما السورية التي مازالت تركز على البيئة الشامية كما تسمى، مع أن النقاد أجمعوا خلال الأعوام الماضية التي انتشرت فيها هذه المادة، على أنها لا تمت لبيئة الشام سوى باللهجة، بل هي في كثير من مفاصلها ترتكب إساءة تاريخية بحق الأهالي، ولعل أكثر المسلسلات التي واجهت نقداً بهذا الخصوص هو مسلسل “باب الحارة” الذي وصل بسلسلته هذا الموسم إلى الرقم 10، بالإضافة إلى مسلسلات أخرى هي: “الحرملك”، و”سلاسل الذهب”، و”شوارع الشام العتيقة”، أما باب الحارة 10 فكان مختلفاً كلياً عن الأجزاء التسعة السابقة، فقد أقيمت دعاوى قضائية بين مخرج العمل ومنتجه الأساسي “بسام الملا” وشركة “قبنض” التي حصلت على حقوق الإنتاج لهذا الموسم، لكن لأجل نسف الحكاية السابقة وتبرير غياب أبطال المسلسل، كانت التوليفة أن يقصف الاحتلال الفرنسي حارة الضبع بالطيران ويتشرد الناس، وتبدأ حكاية جديدة في حي الصالحية، وفي النتيجة هي عبارة عن سرديات لتمرير الوقت ومراكمة الحلقات، وقد بدأ المسلسل بخطأ تاريخي أثار سخطاً على القائمين عليه، إذ عرض صور طائرات تقصف من الجو على أنها فرنسية لكن المتابعين أظهروا أن الطائرات التي صورت هي أميركية ودخلت الخدمة في الجيش الفرنسي بعد أكثر من 40 عاماً على خروج الفرنسيين من سورية.
وفي مسلسل “سلاسل الذهب” أراد كادر العمل أن يُخرج نساء الشام عن الحالة التقليدية التي عرضتها فيها المسلسلات الشامية، فجعل النساء يتاجرن ويشترين ويبعن ويتخذن قراراتهن، ويقود الأحداث تاجر ذهب خبير بطبائع النساء وباستمالتهن، بينما مسلسل “الحرملك” حاول نقل حالة تاريخية بطريقة الفنتازيا لحكم المماليك وانتصاراتهم وأسرار قصور الحكام، ويشارك فيه أكثر من 60 ممثلاً وقد رُصد للمسلسل ميزانية ضخمة لبناء أماكن تصوير وديكورات تناسب مرحلة المسلسل بين عامي 1513 و1516 مع تصميم الثياب والإكسسوارات والكومبارس المرافق وأجور يومية مختلفة.
تدفق المال
يمكن القول: إن هناك ميزانيات ضخمة رصدت للدراما السورية في هذا الموسم الرمضاني، ومن المرجح أنها لتوجيه رسائل عامة بأن سورية أصبحت بخير والبلاد تجاوزت نكباتها، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، وعلى الدراما إعادة جذب الجمهور العربي إلى سورية وجذب السوريين إلى نجومهم الذين مارسوا القطيعة معهم بسبب الأحداث، وعلى هذا نجد تنوع الأفكار، فهناك، إضافة إلى المسلسلات الشامية، مسلسلات اجتماعية منها: “عن الهوى والجوى”، و”هوا أصفر”، و”أثر الفراشة”، كذلك هناك مسلسلات كوميدية بعضها ساخر من خلال توظيفه مشاكل الواقع لكن برؤية تدعم وجهة نظر النظام، منها مسلسل كونتاك من بطولة الممثلة “أمل عرفة” الذي نال نقداً حاداً بسبب لوحة في إحدى حلقاته قدمتها مع بعض الممثلين تخص عمل الإغاثة الذي تقوم به منظمة الخوذ البيضاء بإسعاف الناس، وأنه لا يوجد قصف بالسلاح الكيمياوي، وهي تحاول الصراخ في اللوحة كأمهات الأطفال القتلى في الحقيقة لكن للاستهزاء بهم والقول: إن هذا ليس حقيقة بل تمثيلاً،21 وأن المسعفين يتحايلون على المشاهدين، وأن ما يجري تصويره هو مفبرك لأجل المال، وحول ذلك رد الممثل عبد الحكيم قطيفان قائلاً: “لن نفقد إنسانيتنا أبداً، ونتمنى لأمل عرفة أن تعيش وباقي رهط التهريج الفني، والانحطاط الخُلُقي الذين شاركوا بهذا السخف المعيب والسخرية المقززة من آلام وفجائع أهلنا السوريين الأبرياء الكرام.22“
كما تعرضت لانتقادات حادة أخرى من ممثلين ونقاد منهم الفنانة “سوسن أرشيد”23 التي وصفت ذلك بالمهزلة الكبيرة، وأن من قاموا بذلك هم مهرجون وليسوا ممثلين. وتابع مسلسل بقعة ضوء تقديم جزء جديد منه هو الجزء 14 منذ أن بُدئ العمل به، وهو عبارة عن لوحات منفصلة يشترك بكتابتها عدد من الكتاب سنوياً، يقول عنها القائمون عليها إنها ناقدة، وقد لاقى المسلسل نجاحاً ومتابعة في سنوات سابقة، ولكن بدأ يبرر أعمال النظام السوري، ويحاول تمرير أفكار تسخر من المصائب التي مر بها السوريون بمحنتهم الحالية، ويلوم الناس لأنهم ثاروا على النظام لكن في الجزء الحالي يركِّز المسلسل على المشاكل والسلبيات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية، وبعض السلوكيات الفردية، وهناك عدد آخر من المسلسلات الكوميدية منها: “حركات بنات”، و”كرم منجل”.
مسلسل دقيقة صمت
في سياق الدراما السورية أثار المسلسل السوري “دقيقة صمت” الكثير من الجدل وذلك لعدة أسباب، أهمها أن كاتب المسلسل سامر رضوان، وهو معارض للنظام السوري، وكان خارج سورية، ثم قرر العودة إليها، وكتب المسلسل ليعلن بعد أن انتهى تصويره، وبدأ عرضه: إن نظام الأسد فاسد ووصف نفسه بأنه معارض له وسيبقى الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وخاصة أن المسلسل من بطولة الفنان عابد فهد الذي سبق أن تعرض لموجة واسعة من الانتقاد بعد أن أهدى جائزة “الموريكس دور” إلى الجيش السوري والجيش اللبناني، وكان قد حصل عليها في في بيروت كأفضل ممثل عن أحد أدواره.
كما أن وزارة الإعلام السورية أصدرت بياناً اتهمت فيه رضوان بـ: “السرقة والاحتيال” بعد الانتقادات التي طالتها عن كيفية الموافقة الرقابية على إنتاج المسلسل، فيما اعتبرت الشركتان اللتان أنتجتا المسلسل في بيان صدر عنهما أن تصريحات رضوان لا تمثلهما، لكن وزارة الإعلام لم توافق على بيان الشركتين وعدّت أن اتفاق الرقابة معهما كان يوجب أن يتحول المسلسل في الحلقات الأخيرة لصالح أجهزة النظام التي تحارب الفساد، وأكدت أنها سوف تتخذ الإجراءات القانونية بحقهما.24
الدراما الخليجية 2019
الدراما الخليجية في الموسم الحالي 2019 لم تكن لتختلف في إطارها العام عن الدراما المعتادة وذلك بسبب الاستقرار السياسي الداخلي، في حين برزت الدراما الكويتية لجهة عدد المسلسلات وتنوعها، وسادت القصص الاجتماعية، كالعادة، أكثر من غيرها، وقد تعرض مسلسل واحد هو “أنا عندي نص” للفنانة “سعاد العبد الله” لمشكلة بسيطة بعد العرض إذ حذفت الرقابة في وزارة الإعلام مشاهد تتعلق بزيارة المقابر، حيث زارت قبر والدها السنّي، ثم قبر والدتها الشيعية وعدَّت الرقابة أن ذلك يسيء لحرمة المقابر، فيما النية لدى المسلسل هي توضيح روح التسامح في المجتمع الكويتي، كما حذفت مشهداً لزيارة بطلة المسلسل لجارتها المسيحية إذ أظهر المشهد صورة مريم العذراء معلقة على الجدار،25 وقد عُرضت المشاهد كما هي على محطات عربية أخرى قبل حذفها. فيما تعرض الجزء الثاني من مسلسل “العاصوف” السعودي إلى نقد بسبب أخطاء في الملابس و”الإكسسوارات” وغير ذلك مما لا يتناسب مع الفترة التاريخية التي رصدها،26 والمسلسل يرصد التغيرات الفكرية والاجتماعية في المجتمع السعودي في حقبة التسعينيات، ويلاقي المسلسل متابعة جيدة، وقد عرض في إحدى حلقاته عملية اقتحام الحرم المكي قبل نحو 40 عاماً من قبل جهيمان العتيبي مع 200 شخص منتمين للجماعة السلفية،27 وهذا ما جعل بعضهم ينادي بمقاطعة المسلسل، فيما أيده آخرون للإضاءة على ما حصل.
يُذكر أن الدراما الخليجية جذبت عدداً من الممثلين العرب28 من عدة دول للعمل فيها منها مصر وسورية والأردن ولبنان وتونس.
الهيبة نموذج للأعمال المشتركة اللبنانية السورية
المسلسل اللبناني السوري المشترك “الهيبة” بجزئه الثالث تابع تجاهل أجهزة الدولة اللبنانية وكرّس حالة الانفلات الأمني، إذ يتحكم تاجر المخدرات جبل شيخ الجبل بالقانون، كرجل عصابات ويحاول أحياناً تمرير بعض المشاهد الإنسانية، وعموماً انْتُقِد المسلسل على أنه يروّج لتجارة الحشيش، والسلاح، والعنف، وإهانة المرأة،29 ويقدم نموذجاً سيئاً لممارسات غير معتادة في المجتمع، من خلال، تحكّم بطل المسلسل بالمحيطين به، وعلق الكاتب والناقد الفني محمد منصور30 في صفحته على فيسبوك على المسلسل قائلاً “لم يكن ينقص الدراما السورية التشبيحية إلا أن تلم من لبنان لتنجب مسلسلاً مثل “الهيبة” يتفاقم تمجيده لتجارة المخدرات والحشيش والإرهاب جزءاً بعد آخر، هذا المسلسل مصنوع لجعل عصابات المخدرات التي تناصر حزب الله قدوة”، من جهته مؤلف المسلسل باسم السلكا31 رأى أن العمل كان ناجحاً بأجزائه الثلاثة وأن كادر العمل ينتظر ردود الفعل على المسلسل كي يعدَّ للجزء الرابع منه، وأشار إلى أن نجاح المسلسل يعود إلى توليفة متكاملة، وعمل منسق بين جهة الإنتاج والمخرج والكاتب والأبطال الرئيسيين من سلسلة أعمال سابقة إلى الجزء الحالي من الهيبة.
الدراما العربية والمستقبل
لا شك في أن الدراما العربية عموماً تأخرت في حجز مكانتها، وتأسيس تاريخ لها، بما فيها العرض المسرحي الذي هو أساس الدراما وعنه بدأت تتفرع أشكالها، ولذلك لا يمكن القول: إن هناك مخزوناً يحوي في طياته ركائز قوية متأصلة في هذا المجال، وغالباً ما يردُّ ذلك إلى الرؤية القدرية لما يحصل، وهو غير واضح في الثقافات الأخرى،32 إذ إنَّ الصراع الذي يشكل مادة الجذب الدرامية يمكن أن يكون بين قوى مختلفة كما ظهر في الثقافة الإغريقية، على سبيل المثال، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاعت بعض الأعمال الدرامية أن تشكل حالة جاذبة ومهمة، لتصبح في بعض تفاصيلها مواد محفزة للكوادر المختلفة إن كان على صعيد الفكرة أو الصورة والحوار والموسيقى والأداء أو غير ذلك.. ويحسب هذا الأمر لعدد من المبدعين المصريين قبل عقود حين قادت مصر الحركة الفنية العربية نظراً لطبيعة الناس، ولمساحتها، ولعدد السكان وللمناخ العام الذي احتضن حتى المطربين العرب الأوائل الذين اشتهروا انطلاقاً من وجودهم فيها وبين جمهورها وانتشروا عربياً فيما بعد، وخاصة القادمين إليها من سورية كفريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وأسماء أخرى نالت حظها من الشهرة وشاركت بالدراما السينمائية كسعاد حسني.
تأرجح الإنتاج الدرامي
من الطبيعي أن تتأرجح العملية الإنتاجية الدرامية في العالم العربي تبعاً لعدم الاستقرار العام ولعدم توافر مناخ من الحرية يتيح مساحات مهمة للإبداع دون تدخل يد الرقيب، سيبقى قيام الربيع العربي مؤشراً على انعدام ثقافة الرأي والرأي الآخر لعقود، وهذا سيبقى سمة المرحلة التاريخية الضبابية التي يعيشها العالم العربي مع غياب المشاريع السياسية الراعية لقيام المجتمعات ونهوضها على الأصعدة كافة، ومنها الدراما، وقد تعرّض موسم رمضان الحالي لا لانتقادات فنية وحسب، بل هناك إشارات إلى أن بعض المسلسلات كانت أفكارها مقتبسة عن أعمال أجنبية أخرى، وبعضها يوجد فيه لقطات تصويرية مقتبسة بتصميمها من بعض الأعمال الغربية، لنصل إلى أعمال تُنسب زوراً لمؤلف، إذ وصف الموضوع برمته إن كان توارد خواطر أو اقتباس أو سرقة أو أحداث مأخوذة عن رواية لم يُشر لصاحبها بأنه غير بريء33 كعنوان لأحداث عدد من المسلسلات الحالية، يضاف إلى ذلك التسرع في إنجاز الأعمال إذ غالباً ما تطبخ بعض الأعمال سريعاً ودون مراجعة لكي تلحق العرض الرمضاني، وهذا التسرع يقلل من القيمة الفنية للأعمال، بل إن شارة مسلسل “حدوتة مرة” اعتذر مؤلفها أيمن بهجت قمر عن خطأ في كلمات الأغنية التي غنتها الفنانة أنغام للمسلسل، ولدى اكتشاف الخطأ، بعد العرض، برره المؤلف بضيق الوقت34 إذ لم يراجع كلمات الأغنية، فإذا كان مؤلف أغنية لا وقت لديه لمراجعة كلماتها المحدودة فكيف في سيناريو مسلسل فيه مئات الأوراق، ولهذا يجب إعادة تقييم هذه الصناعة، فهي ليست منبراً ثقافياً إبداعياً يساهم في تشكيل الذوق العام من خلال تقديم وجبة من المتعة وحسب، بل إنه مصدر دخل جيد لعدد كبير من العاملين داخل كواليس الإنتاج أيضاً، ويمكن أن يشكل بمجمله دخلاً إضافياً للموازنة العامة داخل البلاد إذا ما صدِّر وسوِّق جيداً، لكن الأمر يلزمه اهتمام بالحرفية من نواحيه كافة علّنا نشهد صناعة درامية دائمة لا تحشر نفسها في موسم محدد وتتجاهل بقية أشهر السنة لنقول: إن هناك صناعة دراما عربية وليس دراما رمضانية تنتهي رؤيتها مع انتهاء شهر رمضان، حين يبدأ التفكير بالموسم القادم دون مراجعة وخطة واضحتين، كما أن هناك حاجة حقيقية لكف يد الرقيب وترك مساحة للجمهور ليقيّم الأعمال الإبداعية وصلاحيتها وليس القرار السياسي أو الأمني.
مراجع:
1 – الألوكة الثقافية: د. عبد الحميد أحمد ناصر المدري: أزمة الدراما العربية http://cutt.us/Me6QM 2 – موجز الأنباء: المسلسلات السورية 2019 http://cutt.us/afWHB 3 – موقع مراسلون: جدول المسلسلات السورية http://cutt.us/aOqYi 4 – عرب نيوز: مسلسلات رمضان 2019 http://cutt.us/mYSqe 5 – أراجيك فن: 9 مسلسلات سعودية تشارك في السباق الرمضاني http://cutt.us/mzMZo 6 – أراجيك فن: الكويت تتصدر سباق الدراما الخليجية http://cutt.us/pQcun 7 – موزاييك: أبرز المسلسلات التونسية 2019 http://cutt.us/pAlC0 8 – بوابة الوسط: زنقة الريح يخطف إعجاب المشاهدين في أولى حلقاته http://cutt.us/eLWJN 9 – مسلسلات جزائرية 2019 http://cutt.us/JUAsj 10 – جريدة الشعب: التايمز.. الدراما الرمضانية هي آخر ضحايا السيسي http://cutt.us/445oR 11- بي بي سي.. نيفين يوسف: هل بات الإنتاج الدرامي في مصر تحت سيطرة الدولة http://cutt.us/2WlgH 12 – جريدة الشعب: مصدر سابق. 13 – عرب 48.. مسلسلات رمضان: استياء من المستوى والهيمنة الأمنية المصرية عليها http://cutt.us/GQ6x6 14 – بي بي سي: مصدر سابق 15 – المملكة اليوم.. قبضة السيسي الحديدية تمتد لمسلسلات رمضان http://cutt.us/1z3qq 16 – المدن .. مسلسلات رمضان المصرية بتوجيهات كيم جونغ أون http://cutt.us/1Nlnx 17 – مدى: دراما رمضان 2019.. تتعالج ولا تستحمل؟ http://cutt.us/WGaDa 18 – درج.. مايا الحاج: دراما رمضان 2019 موسم خال من الدسم السياسي http://cutt.us/OGZQF 19 – أندبندنت.. حميدة أبو هميلة: دراما رمضان 2019.. سرقة أم توارد خواطر غير معلن http://cutt.us/b1qXk 20 – المصري اليوم.. مينا غالي: تقرير لجنة الدراما “65% ألفاظ متدنية والإعلانات تعادي المسلسلات http://cutt.us/CkodL 21 – العربي الجديد.. هزار الحرك: إلى أمل عرفة الخوذ البيضاء أمل سورية المنكوبة http://cutt.us/9ei5c 22 – نداء سورية: بعد سخريتها من ضحايا الكيمياوي.. عبد الحكيم قطيفان يشن هجوماً لاذعاً على أمل عرفة http://cutt.us/hOCwn 23 – جسر: أمل عرفة سخرت وسوسن أرشيد ترد.. سيكتب التاريخ كرمال أجر بلوحة بعتوا دم أهاليكم http://cutt.us/JR01P 24- الشرق الوسط: دقيقة صمت يحرج النظام السوري ويخرج الجميع عن الصمت http://cutt.us/APNe5 25 – رأي اليوم.. خالد الجيوسي: الرقابة الكويتية تحذف مشهد زيارة مقابر سنية وشيعية في مسلسل رمضاني http://cutt.us/JAhAR 26 – بي بي سي: دراما رمضان في الوطن العربي بين السرقة الأدبية والترويج لقانون الغاب http://cutt.us/hElxk 27 – سبوتنيك: العاصوف يقتحم الحرم المكي وحصار الكعبة يشعل مواقع التواصل الاجتماعي http://cutt.us/l0H7x 28 – العرب.. محمد عبد الهادي: الإنتاج الخليجي يغير خارطة دراما رمضان 2019 http://cutt.us/zeZyL 29 – ميدل إيست أونلاين.. لمياء ورغي: قانون الغاب لا يفارق “الهيبة الحصاد” http://cutt.us/rAHrW 30 – محمد منصور: مسلسل الهيبة http://cutt.us/KWZFe 31 – روزنة.. مالك الحافظ: بعد استمرار نجاح “الهيبة” كاتب العمل يتحدث عن التأثير الحاسم للجمهور http://cutt.us/N9qAU 32 – : العرب.. العرب وفن الدراما.. ما نصيب الواحد من الآخر http://cutt.us/GTs7j 33 – أندبندنت: مصدر سابق 34 – في الفن: خطأ في تتر “حدوتة مرة”.. أيمن بهجت قمر: تقصير مني http://cutt.us/r7tNY