تخطى إلى المحتوى

“عقد النكاح”.. إهانات بحق المرأة

د. عماد بوظو:

الحرة..

عند تأدية عهود الزواج في الديانة المسيحية، يقف رجل الدين بين العريس والعروس ويوجه للرجل هذه الأسئلة: هل تريد أن تتخذ هذه المرأة زوجة لك؟ فيجيب نعم، هل تعد أن تحبها في الضيق والرخاء؟ نعم، وفي المرض والصحة؟ نعم، فتحبها وتكرمها طوال حياتك؟ نعم، ثم يتوجه للعروس: هل تريدين أن تتخذي هذا الرجل زوجا لك؟ فتجيب نعم، هل تعدين أن تحبيه في الضيق والرخاء؟ نعم، وفي المرض والصحة؟ نعم، فتحبيه وتكرميه طوال أيام حياتك؟ نعم. فيباركهما الكاهن ويعلنهما زوجا وزوجة.

في الديانة اليهودية يسير العروسان نحو مظلة من أربعة أعمدة ويقسمان أمام الحاخام ووالديهما على أداء العهود وإخلاصهما لبعضهما البعض، وتقرأ على الحضور “كتوباه” وهو الكتاب الذي وقعه العروسان سابقا بحضور شاهدين يتضمن التزاماتهما تجاه بعضهما البعض.

وفي الديانة الهندوسية يقام حفل الزفاف في عند والد العروس الذي يتكفل بكل المصاريف بما فيها تأثيث منزل الزوجية ويلف الكاهن العروسين بحبل مبارك، ويتبادلان أكاليل الزهور. ولا توجد طقوس دينية خاصة للزواج في البوذية فهي شأن علماني حسب قوانين بلدانهم التي يعيشون فيها.رجال الدين المسلمين لا يتطرقون ضمن عقد الزواج لأهم جوانب العلاقة بين الزوجين، وهي الحب والعطف

في المقابل، حسب التقليد الراهن لطقس الزواج الإسلامي، تغيب العروس عن عقد قرانها ويجلس رجل الدين بين والدها أو ولي أمرها والعريس، ويردد والد العروس حسب الموقع الرسمي لابن باز “أنكحتك ابنتي فلانة على مهر كذا، فيقول الزوج قبلت هذا”. وحسب موقع “إسلام ويب” يشترط لصحة النكاح الإيجاب من الولي كأن يقول زوّجتك ابنتي فلانة ومن الممكن استعمال ألفاظ أخرى في العقد مثل وهبتك أو ملّكتك ابنتي، والقبول من الزوج مع وجود شاهدين أما وجود المأذون فهو غير ضروري.

ورغم أن العروس في الزفاف المسيحي واليهودي تتأبط ذراع والدها عندما تدخل إلى مكان الاحتفال كمؤشر على انتقالها من منزل ولادتها وطفولتها إلى بيت الزوجية، ولكنها عند الوصول إلى المنصة تترك والدها ووالدتها وتتوجه مثل العريس لمقابلة رجل الدين لتعرب بحريّة عن رضاها عن الزواج ولتجيب هي عن أسئلته التي لا يملك غيرها حق الإجابة عليها. كما يتم توجيه الأسئلة لطرفي عقد الزواج بمساواة تامة، وجميعها تشير إلى الزواج كرباط مقدس يجمع بين رجل وامرأة لتكوين أسرة صالحة، ولا يتحدث أحد عن النواحي الجنسية رغم معرفة الجميع بأنها أساس العلاقة الزوجية.

طقوس الزواج المعروفة اليوم في مختلف الديانات تطورت خلال القرون لتتكيّف مع العصر، باستثناء طقس الزواج الإسلامي. فبالإضافة إلى غياب المرأة عنه، فإن الألفاظ التي يتم استخدامها في عقد الزواج تدل على اعتباره مجرّد إذن عائلي وشرعي لممارسة الجنس، والتي توضّحها عبارة “أنكحتك” ابنتي. وكلمة نكاح في اللغة العربية تعني الفعل الجنسي، ولذلك هي تستعمل أيضا عند الحديث عن علاقة جنسية بدون زواج، أو النكاح بين الحيوانات، رغم أنه قد تم استخدامها في بعض المواضع للإشارة للزواج.

ومن ناحية أخرى لا يمكن فهم لماذا بإمكان والد أو ولي أمر العروس إعطاء الإذن للعريس لممارسة الجنس معها “أنكحتك ابنتي”، إلا من خلال مفهوم الملكيّة؛ فعندما تمتلك العائلة أو العشيرة أجساد نسائها، يصبح من المقبول عندها استخدام مفردات من نوع “وهبتك ابنتي” أي أعطيتك إياها، أو “ملّكتك ابنتي” أي جعلتها ملكا لك.

وهذه المفردات التي يرددها رجال الدين المسلمون أثناء العقد تنسجم مع نظرتهم للزواج، فتعريف الزواج حسب المذهب الحنفي والمالكي: “عقد يفيد ملك المتعة بالأنثى قصدا”؛ أما الشافعية فيرون أن الزواج هو “عقد يتضمن إباحة الوطء”.

لا تخرج هذه التعريفات عن اقتصار الزواج على رخصة للممارسة الجنسية، ويتأكد ذلك بشكل أوضح عند حديثهم عن المهر، وهو المبلغ الذي يدفعه العريس لأهل العروس في سبيل الزواج، والذي يذكر ضمن العقد في طريقة قريبة من صفقة بيع وشراء، وفي أحد الأحاديث الذي يشير إلى أن المهر هو دين يجب على الزوج أن يقوم بإيفائه قبل غيره: “إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج” (متفق عليه)، أي أن المهر حسب هذا التعريف هو المبلغ الذي يدفعه الرجل حتى يصبح “الفرج”، وهو العضو الجنسي للمرأة حلالا له، وليس للحصول مثلا على قلب عروسه حتى تحبّه أو عقلها حتى تقتنع به.

ويذكر أيضا في عقود الزواج الإسلامية المهر المؤجل، الذي يبقى في ذمة الزوج وتستحقه الزوجة في حال طلاقها. وحسب ابن القيم وأحمد “لا يستحق المطالبة به إلا بموت أو فرقة”، ورغم أن انفصال الزوجين لأي سبب هو حق لكليهما لا يمكن مناقشته، ولكن ذكر رجال الدين له من اليوم الأول للزواج يترك شكوكا حول جديّة الرغبة بارتباط دائم طوال الحياة، مما فتح الباب أمام إباحة أشكال مؤقتة من “الزواج” مثل العرفي والمسيار والمتعة، والتي ليس لها من هدف سوى ممارسة الجنس لبعض الوقت.

والأغرب من كل ذلك أن رجال الدين المسلمين لا يتطرقون ضمن عقد الزواج لأهم جوانب العلاقة بين الزوجين، وهي الحب والعطف رغم أن القرآن يقول، “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” (الروم 21)، بما يجعل ما يقوله الكاهن في عهود الزواج المسيحية، أقرب إلى القرآن مما يردده شيوخ المسلمين اليوم في عقودهم التي ورثوها من عصور الجواري وتعدد الزوجات، التي كانت تبيح للرجل “تملّك” عدد غير محدود من النساء، ومثل تلك الزيجات لا تعرف الإخلاص ولا تتطلب وجود الحب.لا تخرج هذه التعريفات عن اقتصار الزواج على رخصة للممارسة الجنسية

كما ينظر كثير من رجال الدين للعملية الجنسية باعتبارها علاقة من طرف واحد، يستمتع فيها الرجل بالأنثى “يطأها”، لأنه الطرف الفاعل وهي طرف متلقّي، بينما تستخدم بقية الثقافات عبارات مختلفة للتعبير عن العملية الجنسية مثل “مارسا فعل الحب” كعلاقة متساوية لا يوجد فيها فاعل ومفعول به، ونتيجة هذه الرؤية التمييزية للعملية الجنسية في المجتمعات الإسلامية، لا يلحق العار بالرجل عند ممارسة الجنس بل قد يكون من دواعي فخره، بينما نفس هذه الممارسة عند “المفعول بها” المرأة هو عار، بل قد يأتيها العار من تصرفات أقل بكثير من ممارسة الجنس، وبسبب هذه النظرة وصلت البلاد العربية إلى ما هي عليه اليوم، مجتمعات مهووسة بسلوك ومظهر النساء، إلى درجة انتشار ارتكاب الجرائم بحق النساء، تحت عنوان “جريمة شرف”.

غياب المرأة عن الطقس الرسمي والشرعي لعقد قرانها، وقيام “ولي أمرها” باتخاذ أحد أهم قرارات حياتها باعتبارها قاصر وليس لها ولاية على نفسها هو إهانة للمرأة، وما يتم ترديده في عقد الزواج من مفردات تختصر هذا الرباط المقدس بالممارسة الجنسية، لا يعبر عن احترام لمؤسسة الزواج، كما أن هذا الفهم المشوّه للشرع المتوارث من العصور الوسطى هو إساءة للإسلام نفسه، ولا ينسجم مع ما يقوله القرآن من أن المودة والرحمة هي أساس العلاقة الزوجية، وإذا لم يكن بإمكان رجال الدين تعديل مراسيم الزواج لتتماشى مع القرآن ومفاهيم العصر، فمن الممكن الاستغناء عن دورهم وحضورهم والشرع يبيح ذلك.

الحرة

%d مدونون معجبون بهذه: