رجل أعمال كندي يستقبل مئات اللاجئين السوريين

عندما شاهد رجل الأعمال الكندي جيم إيستيل أهوال الحرب في سوريا على شاشة التلفزيون قرر أن يفعل شيئاً لمساعدة السوريين، لذا تعهد بأن يساعد اللاجئين السوريين على الاستقرار في كندا، ببساطة لأن ذلك “هو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به”. بحسب “بي بي سي”.
كان ذلك عام 2015، ورغم أن الحكومة الكندية كانت بصدد تدشين برنامج لاستيعاب الفارين من أهوال الحرب في سوريا، كان جيم محبطاً من التأخير في تنفيذ هذا البرنامج.
يقول جيم، البالغ من العمر 62 عاماً: “كنت أرى الأزمة في سوريا تحدث أمام عيني، وأعتقد أن الحكومات الغربية لم تكن تقوم بالأمور بالسرعة اللازمة”.
لذلك، قرر جيم أن يتولى الأمر بنفسه، وأن ينفق 1.5 مليون دولار كندي (1.1 مليون دولار أمريكي) من ماله الخاص لإحضار اللاجئين السوريين من الشرق الأوسط لمدينة غيلف بمقاطعة أونتاريو، التي تبعد نحو 60 ميلاً (95 كيلومترا) إلى الغرب من تورنتو.
وقد تمكن جيم من القيام بذلك بفضل برنامج كندي يطلق عليه اسم “برنامج الرعاية الخاصة للاجئين”، وهو البرنامج الذي أُطلق قبل 41 عاماً في الأساس لمساعدة الفارين في أعقاب حرب فيتنام. ويتيح هذا البرنامج للمواطنين الكنديين الترحيب باللاجئين والعمل على استقرارهم في كندا. لكن هذا البرنامج يشترط على المواطنين الكنديين الذين يشتركون فيه الالتزام بتغطية نفقات الوافدين الجدد خلال العام الأول. ولهذا دفع جيم في البداية نفقات 50 أسرة سوريا للانتقال والاستقرار في غيلف، التي يبلغ عدد سكانها 135 ألف نسمة.
أشارت المفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن إستيل الذي يعمل كرجل أعمال منذ فترة طويلة والذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أجهزة إلكترونية، قرر رعاية اللاجئين السوريين الفارين من وطنهم الذي دمرته الحربولم تكن هذه الخطوة سهلة، إذ بلغت كلفتها 1.5 مليون دولار كندي. لكنه قال بأن الأحداث المتتالية للحرب وخشيته من عدم قيامه بما يكفي للمساعدة خلال أزمة إنسانية، هي ما دفعه إلى العمل.
فقال: ”أفعل ذلك لأنني أؤمن بالقيام بالشيء الصحيح. وهذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. لا يمكنك البقاء مكتوف الأيدي“.
قام إستيل بتدريب الوافدين الجدد، محاولاً منحهم وظائف قريبة من مجال عملهم قدر الإمكان، وكل ذلك مع فائدة إضافية تتمثل في تعلم اللغة أثناء العمل. فعمل معظمهم في التجميع والتعبئة والتغليف في المستودع، ولكن آخرين وجدوا عملاً في المحاسبة أو نظم تكنولوجيا المعلومات.
وأكد إستيل: ”أنت لا تحاول خلق التبعية. أنت تحاول أن تساعد الناس على العمل لتحقيق الاستقلالية. والاستقلالية هي القدرة على دفع مصاريفك بنفسك. دفع الإيجار وشراء البقالة – هذا هو النجاح.“
اعتاد اللاجئون على العمل في المستودع وتعلموا الحذر من الرافعات الشوكية وكيفية استخدام الآلات.
يعود جزء من نجاح البرنامج إلى الموقع. فبالنسبة لأولئك الفارين من فوضى الحرب، تُعتبر غويلف ملاذاً – مدينة هادئة ومصنفة من بين أفضل الأماكن للعيش في كندا. تنخفض معدلات الجرائم فيها ومناخها معتدل، والأهم من ذلك أن فيها أحد أدنى معدلات البطالة في البلاد. فالشركات متلهفة لمواهب جديدة واللاجئون يملأون فجوة اقتصادية. واستطاع إستيل الاستفادة من معارفه في مجال الأعمال وعقد صفقات مذهلة مع شركات أخرى لتأخذ عمالاً سوريين – بحيث توظف الشركات المحلية أربعة موظفين لكل مترجم متوفر.
يعود جزء من نجاح البرنامج إلى الموقع. فبالنسبة لأولئك الفارين من فوضى الحرب، تُعتبر غويلف ملاذاً – مدينة هادئة ومصنفة من بين أفضل الأماكن للعيش في كندا. تنخفض معدلات الجرائم فيها ومناخها معتدل، والأهم من ذلك أن فيها أحد أدنى معدلات البطالة في البلاد. فالشركات متلهفة لمواهب جديدة واللاجئون يملأون فجوة اقتصادية. واستطاع إستيل الاستفادة من معارفه في مجال الأعمال وعقد صفقات مذهلة مع شركات أخرى لتأخذ عمالاً سوريين – بحيث توظف الشركات المحلية أربعة موظفين لكل مترجم متوفر.
مع وصول السوريين، احتشد المجتمع المحلي وسرعان ما فاضت مساحة التخزين المحلية بالتبرعات.
لم يشكل الدين حاجزاً. فقال إستيل: ”لقد اتحد مجتمعنا بسبب ذلك. قصدت الكنائس والمسجد والكنيس ومعبد السيخ – وقد قدمت كل مجموعة المساعدة“.
يتنقل المتطوعون بين أكوام من الفرش والكراسي وأدوات المطبخ والملابس. أحذية الشتاء الجديدة لا تزال في الصناديق. ولكن إستيل لا يزال يتجنب الأضواء، وقد وافق على إجراء مقابلات مع الشبكات الرئيسية فقط على أمل الحصول على المساعدة من جهات أخرى.
لن ينسى فراس المحمد، وهو أحد الوافدين حديثاً إلى غويلف، مساعدة إستيل التي غيرت حياته.
فقال: ”لقد أخرجني من المجهول وقادني إلى مستقبل واضح وحياة مستقرة“.
في عام 1980، بدأ جيم العمل في مجال الكمبيوتر بعد أن تخرج من كلية الهندسة بجامعة واترلو بمقاطعة أونتاريو. وفق بي بي سي، لكن بدلاً من العمل في الشركات الكبرى، كان يبيع أجهزة الكمبيوتر متخذاً من صندوق سيارته مكاناً لعرضها وتسويقها.
وقد تطورت شركته الخاصة، التي تحمل اسم “إي إم جيه لأنظمة المعلومات”، على مدى 24 عاماً، قبل أن يبيعها إلى مجموعة سينيكس الأمريكية لتكنولوجيا المعلومات مقابل 56 مليون دولار. وقد استمر جيم في الشركة ليقود فرعها في كندا على مدى السنوات الخمس التالية.
كما خصص وقتا لممارسة دوره كعضو في هيئة تأسيس شركة “ريسيرتش إن موشن” الكندية، التي تصنع هاتف بلاكبيري، كما كان لديه مجموعة من الاستثمارات التجارية الأخرى. وفي عام 2009، قرر التقاعد من سينيكس، لكن استمر في القيام بعدد من المسؤوليات والأدوار القيادية في أماكن أخرى، بما في ذلك إدارة شركة دانبي.
وفي عام 2015، عُين جيم مديراً تنفيذياً لشركة دانبي، ثم اشتراها بعد ذلك بعامين من مجموعتها الأم آنذاك مقابل مبلغ لم يعلن عنه. وتُصنع دانبي الغسالات والثلاجات ومكيفات الهواء، وغيرها من الأجهزة الكهربائية.
ويقول جيم: “ما أقوم به كمدير تنفيذي هو بناء النظم والعمليات، وقد فعلت الشيء ذاته مع اللاجئين. وكما هو الحال في دانبي، لا أصنع الأجهزة أو أبيعها بنفسي، لكنني أضع الخطط التي تضمن أن يسير كل شيء بطريقة جيدة، وأبذل ما في وسعي لمساعدة الآخرين على إنجاز أعمالهم”.
وتقديراً لعمله في مساعدة اللاجئين، حصل جيم في مارس/آذار الماضي على وسام كندا، وهو ثاني أعلى وسام في البلاد. وقالت الحاكمة العامة لكندا، جولي باييت، التي تمثل الملكة اليزابيث الثانية، إن جيم حقق “إنجازاً مرموقاً، وأظهر تفانياً في خدمة المجتمع والأمة”.
وقال كام جوثري، عمدة غيلف، لبي بي سي، إن جيم “قيادي وواقعي ومتواضع وهادئ”. وأضاف: “يمكنني القول إنه يهتم بأمور الناس الذين يوظفهم، والمجتمع الذي يعيش فيه”.
وتابع: “إن إحضار جيم للمزيد من الناس من خارج كندا إلى غيلف، جعل سكانها يخرجون من الرفاهية التي يعيشون فيها ويفتحون عيونهم ليروا ما يحدث في العالم خارج نطاق مدينتهم”.
ويقول جيم إن القصص التي سمعها من اللاجئين السوريين ستعيش معه لوقت طويل، “وهي قصص لأناس يعودون لمنازلهم المدمرة في وطنهم، لأشخاص يتحدثون لإخوانهم عبر الهاتف الذي لا يلبث أن يصمت، ويكون الأخ قد قتل. هذه العائلات تريد فقط أن تكون سعيدة كبقية الناس. إنها تريد مستقبلاً خالياً من الخوف والعنف. وينبغي أن نرحب بهم، طالما أن 99.9 في المئة من الكنديين هم كذلك من المهاجرين”.