السوريات والثورة
صفاء مهنا
إنها نصف المجتمع.. بل نصف المجتمعِ المربي، هي الأمّ والأخت والابنة والشريكة.. كلماتٌ كثيراً ما نسمعها في توصيف المرأة.. لإقناع المجتمع نفسه بأن هذا الكائنَ “المرأة” ينتمي له، دون الوقوف عند ذلك بما فيه تغطية على التقصير الكبير الذي مازال يلحق بحقوقها.
هناك من يرى المرأة من زاوية العطف والحنان والحياة، وهناك من لا يراها إلا حواء التي أنزلت آدم إلى الأرض.. وبين هذا وذاك، تكثر التوصيفات والتصنيفات، والقليلون من يتركون لها تصنيف نفسها أو حجز حيز في مكان تكثر فيه المتناقضات وتختلط المشاعر.
حاول النظام السوري إتاحة الفرص للنساء لشغل بعض المواقع في الدولة.. لكنها في الغالب كانت ديكوراً يُظهر للمجتمع من خلاله علمانيته التي كان يدّعي.. ولم يكن اتحاده النسائي إلا عبارة عن مجموعة نساءٍ بقوالب محنطة تخفي داخلها انكسارات زمنٍ بائسٍ ورواسب تعجز كل التلميعات والمصطلحات الرنانة عن إخفائها.. وبقيت هياكل دون إنجازٍ حقيقي على الأرض، رغم أن الاتحاد النسائي تشكل قبل مجيء النظام بحوالي أربعين عاماً.
وعندما اجتهد النظام أكثر لوضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل، زج بها في معسكرات الصاعقة والمظليين..
حاولت بعض التجمعات النسائية التعبير عن نفسها بعيداً عن النظام، والعمل من أجل إيصال صوت المرأة وحجز مساحة حقيقية لوجودها، فكانت في غالب الأحيان تُقابَل بالقمع المعتاد من النظام، والذي كان خلاله لا يستثني أحداً نساء أو رجالاً، لتتركزَ الجهود على العملِ المدني الذي هدف لحماية النساء ومناهضة العنف ضدّهن، وتغيير القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، ومع ذلك لم تفلح كل المساعي بتغيير بعض القوانين، كحق المرأة في منح الجنسية لأولادها، أو رفع مدة عقوبة جرائم الشرف، والتي كانت ستة أشهر إلى أن أصدر الأسد مرسوما في العام 2011 يرفع فيه العقوبة إلى خمس سنوات، في واحدة من محاولاته التي اعتمدها في حماية “الضعفاء”..
أنشأت النساء الجمعيات الخيرية التي أُخذ عليها ابتعادها عن النساء الريفيات والشريحة الشعبية الأكبر في المجتمع، كذلك الجمعيات الأدبية التي كان الكثير منها، صوتها يعلو صراخاً وشعارات، ليقف محجما متراخيا عند الفعل والمثابرة لأسباب عديدة ربما أهمها الإحجام عن المبادرة والكسل عند المرأة نفسها، فضلا عن عدم إتاحة الفرص لها من قبل المجتمع الذكوري.
ومع بداية الثورة خرجت المرأة إلى الساحات العامة منذ الأيام الأولى، وكانت فاعلةً في كل المجالات المتاحة رغم العنف الذي قابل النظام به المتظاهرين.. فكانت المتظاهرة والممرضة وعاملة الإغاثة والمعتقلة.. وحتى الشهيدة..
ليس ذلك فقط، فهي من حمل مرارة فقدان الابن والأخ والزوج.. وهي من تحمل قهر اعتقالهم.. أما الأكثر قسوة، أنها هي من لذع بسياط الاغتصاب، لتجلد مرتين، داخل عتمة الزنازين وسراديب السجون، وخارجها في المعتقل الأكبر لصرخة تدوي في جوفها ولا من سميع..
حاولت بعض النساء السوريات توحيد صفوفهن ضمن تشكيلاتٍ تعددت أهدافها بين العمل على التمكين السياسي للمرأة، والعمل على دعمها اقتصادياً وتوعوياً، وما زالت هذه المجموعات تقابل بعض التحديات.. ومع ذلك وصل صوت المرأة السورية إلى مجلس الأمن للتعريف بأهمية إشراكها بالعملية التفاوضية، وشاركت مؤخرا في اللجنة العليا للمفاوضات وحاولت إثبات وجوها وصوتها في القرار السوري.
في الحقيقة لا توجد هيئة ولا منظمة إلا وللمرأة وجود فيها، سواء في الداخل أم في بلاد اللجوء، وكما كانت قبل الثورة موجودة بنسبة كبيرة في المدارس، كذلك الآن تشغل حيزا كبيرا في الجانب التعليمي، وفي المجال الإعلامي والصحي وغيرها الكثير.. بالرغم من بعض المعوقات التي مازالت تعاني منها مسيرتها، سواء كانت بسبب الأفكار السلبية التي تحيط بالرجل، أم تلك مثيلاتها التي مازالت تعشش في ذهن العديد من النساء..
لا بد من الذكر أن الكثيرات من النساء الصغيرات بعيدات كل البعد عن فهم حقيقة وجودهن وحقوقهن، ومازالت العديدات منهن تعيش ظروف القهر والتجهيل والتهميش.. وبذلك، فعلى الجانب المضيء من عالم المرأة، توجد الكثيرات، وبهن الأمل وعليهن مسؤولية الأخذ بيد أولئك اللاتي مازلن لا يدركن أنه سيكون صوتهن مسموعا إذا ما أردن.. وسيحدثن فرقاً في المجتمع عندما تكون الإرادة والقناعة بملكاتهن موجودة داخلهن، قبل أن يمنحها لهن الآخر، خاصة الرجل..
وضمن المعطيات العامة للمجتمع السوري، والتحديات التي يعيشها بكافة أشكالها، لابد للحركة النسائية أن تتمكن من حجز مكان لها، بعد أن خطت خطواتها الأولى في مجتمع ناله كل هذا التخبط والتشويش، ولا بد للنساء وبعد سنوات من التهميش، أن يثبتن أنهن صانعات السلام، بعد حرب لم يكن الرجل وقودها فحسب، فهن اكتوين بحرقتها.