السياسة التعليمية لللاجئين السوريين في تركيا.. الجزء1

صفوان قسام: باحث سوري
دراسة من عدة أجزاء سيتم نشرها تباعاً.
الجزء 1
المقدمة:
تتفاعل الهجرة والنزوح مع حق التعليم، وهذا ما يُلزم الدول الموقعة على الإتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل واللاجئين باستعدادها لتلبية حق اللاجئين والنازحين بالتعليم، وقد أقر العالم عام 2018 اتفاقين رئيسيين حول الإلتزامات الرئيسية بحق التعليم، وأوصى تقرير اليونيسكو الصادر عام 2019 بحق الحفاظ على التعليم للنازحين والمهاجرين، وإدماجهم في نظم التعليم الوطنية، وفهم احتياجات المهاجرين واللاجئين التعليمية وتلبيتها، وإعداد وتأهيل معلمي اللاجئين والاستفادة من إلتحاقاتهم. (UNESCO ، www.unesco.org ، 2019).
وقد عبّرت الحكومة التركیة بوضوح عن التزامھا بتعلیم أطفال اللاجئین السوریین، ففي 2 أكتوبر/تشرین الأول 2015 صرّح وكیل وزارة التعلیم یوسف بویوك بأنه: “إذا لم نستطع تعلیم ھؤلاء الأطفال فسوف تستغلھم العصابات والمجرمون… إننا نحاول تحسین المعاییر في بلدنا، مما یعني أیضا تحسین المعاییر بالنسبة للسوریین“.
وجاء التعمیم 2014/21 بمثابة إعتراف من الوزارة بحاجتھا إلى العمل على: “إزالة الموانع … مثل الموانع اللغویة والموانع التشریعیة وفجوات البنیة التحتیة“ التي تمنع الطلبة من اللاجئین السوریین من الذھاب إلى المدارس (Human Rights Watch ، http://www.hrw.org/ar، تشرين 2 2015) وذلك استنادا على القانون التركي الأساسي للتربية الوطنية رقم 1739 الذي يحتوي على 14 مبدأ أساسيا للتربية والتعليم الوطني التركي وهي: العمومية والمساواة، احتياجات الفرد والمجتمع، التوجيه، حق التعليم، تساوي الإلتحاقات والفرص، الديمومة، مبادئ وتحديثات وقومية أتاتورك، تعاليم الديمقراطية، العلمانية، تنوع العلوم، التخطيط والتعليم المختلط، المعسكرات التدريبية وتعاون المدرسة والأسرة، التعليم في كل مكان. (Ulukütük, 2017, 99) تحاول هذه الدراسة النظرية تسليط الضوء على واقع تعليم اللاجئين السوريين في تركيا والإجراءات التي تم اتخاذها على الصعيد الحكومي وصعيد المنظمات الدولية والمحلية في سبيل التصدي لهذه الحاجة، وما هي المعوقات والنتائج والمشكلات التي عانى منها اللاجئون السوريون في ظل القوانين الجديدة التركية.
أولا: الإشكالية والمنهجية:
وفق ما هو منتشر على نطاق واسع بالنسبة إلى اللاجئين السوريين نتيجة للصراع في وطنهم الأم، فقد صارت حقوق الإنسان المنصوص عليها في الوثائق والإعلانات الدولية غير مجدية؛ نتيجة نقص الاحترام لأسس الإنسانية؛ وبالنسبة إلى مئات الآلاف من الأطفال السوريين اللاجئين، فإن نكبة الحرمان من التعليم تحمل نتائج وتشعبات تتجاوز العواقب قصيرة المدى، ما يعوق سلامتهم الجسدية والعاطفية والعقلية والاجتماعية.
ومن المتفق عليه أن لدى الأطفال جمیعا حق الوصول إلى التعلیم بدون تمییز. وقد وقعت تركیا على عدد من المعاھدات الدولیة التي توضح ھذا الحق، بما فیھا الاتفاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، واتفاقیة حقوق الطفل، والاتفاق الدولي الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة، واتفاقیة القضاء على جمیع أشكال التمییز ضد المرأة. (سیداو). (Human Rights Watch ، http://www.hrw.org/ar، تشرين 2/ 2015). وبناء عليه تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على القوانين والإجراءات التي تم إتخاذها من قبل الحكومة التركية في سبيل تعليم اللاجئين السوريين على أراض الجمهوية التركية، والإطلاع على النتائج التي تم الوصول إليها والخطط المستقبلية التي يتم التطلع إليها.
وتعتبر هذه الدراسة نظرية مكتبية تحاول الإجابة على مجموعة من الأسئلة:
1. ما هي القوانين والإجراءات التي تم إتخاذها في سبيل تعليم اللاجئين السوريين على أراض الجمهورية التركية؟
2. ما هي معوقات الخطط الحكومية في سبيل تعليم اللاجئين السوريين؟
3. ما هي النتائج التي وصلت اليها هذه الإجراءات؟
4. ما هي الخطط المستقبلية؟
وذلك من خلال الإطلاع على التقارير الرسمية والدراسات العلمية، ومواقع الإنترنت المعتمدة رسميا وأكاديميا، ومواقع وتقارير المنظمات الدولية والمحلية ذات العلاقة باللاجئين السوريين، والكتب والمنشورات التي يتم توزيعها في هذا الخصوص.
ثانيا: خلفية الأحداث السورية وواقع اللاجئين السورين في تركيا:
في آذار 2011 بدأ الحراك الشعبي السوري السلمي ضد حكم حزب البعث العربي الاشتراكي ونظام بشار الأسد الأمني، مطالبا بالحرية والعدالة والاصلاح، واستمرت على نحو سلمي فترة من الزمن. ونتيجة لعدة أسباب وتراكمات على مدة زمنية طويلة نسبيا تحولت الثورة إلى حرب أهلية، وتدخلت الأطراف الدولية في الصراع وأطالت في عمره. وبدأ الصراع يأخذ منحا إجراميا خطيرا ويقوم على مبدأ الفعل ورد الفعل، وتجاوز الصراع كل الخطوط المحرمة دوليا وأخلاقيا، وارتفعت وتيرة التطرف الديني المسلح إلى مستوى غير مسبوق أبدا في المنطقة، بالمقابل استخدم النظام السوري وحلفاؤه “روسيا – إيران – حزب الله – الميليشيات الشيعية العراقية واليمنية – والتنظيمات السورية الموالية لبشار الأسد الأخرى” أقصى ما لديهم في الصراع ودون مراعاة للمدنين. نتيجة لذلك استقبلت تركيا أكبر عدد من اللاجئين السوريين؛ بسبب الاشتراك بالحدود الجغرافية، والبنية الاجتماعية المتقاربة، والقوانين التركية التي سمحت للاجئين السورين بالدخول إلى أرضها وفق سياسة “الباب المفتوح” (17-19، 2017 ، Ulukütük )، وصرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن بلاده تستضيف 3 ملايين و611 ألفاً و834 لاجئا سوريا (RT، https://arabic.rt.com ، 10/12/2018).
هذه الأعداد والحالات الإنسانية التي استقبلتها تركيا شكلت عبئا على الدولة والحكومة والشعب التركي. فكان على الحكومة التركية التصرف إزاء الوضع الإنساني غير المسبوق لمواجهة التحديات الآنية والاستراتيجية خصوصا مع طول عمر الصراع .
أدت الأحداث السورية إلى نزوح أكثر من 6.6 مليون مواطن سوري داخليا، وتهجير ما يزيد عن 5.6 مليون خارجيا؛ و 511 ألف قتيل و 90 ألف معتقل ومفقود، ومليوني مصاب؛ حسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” (Human Rights Watch، https://www.hrw.org ، 2019). وقاربت أعداد اللاجئين السوريين التي حصلت عليها روسيا من 45 دولة حول العالم احصائيات UNHCR، وبلغ العدد 6776513 نسمة. (مركز نورس للدراسات، http://norsforstudies.org، 5/8/2018) وهذا الرقم هو أعلى رقم مسجل بين أعداد اللاجئين في العالم حاليا حيث وصفته مفوضية اللاجئين أنه أعظم كارثة مرت على البشرية بعد الحرب الباردة، وهناك حوالي 12.8 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية منهم 5.2 مليون شخص بحاجة ماسة للدعم. (UNHCR، https://www.unhcr.org ، 2019).
ولا يعتبر السوريون حسب المعنى الدقيق في تركيا لاجئون فمفهوم اللاجئ حسب اتفاقية جنيف1951 يرتبط بمفهوم اللجوء؛ فطالب اللجوء حسب الاتفاقية نفسها: هو شخص ترك بلده وانتقل إلى بلد آخر، قدم فيه طلبا للجوء. ومنه اللاجئ: الشخص الذي بحثت سلطات البلد المختص في طلب لجوءه وفقا للقوانين الدولية ولوائحه الداخلية، ومنحته حق اللجوء (Ulukütük، 2017، 44) أما اللاجئون السوريون فهم يخضعوا في تركيا حسب التوجيه الأوروبي للحماية المؤقتة 2001 – إلى قانون “الحماية المؤقتة” ويسموا باسمه “تحت الحماية المؤقتة“. وحسب اتفاقية دولية وقعت عليها تركيا لا يعتبر السوريون لاجئون، ولا يحق لهم التقدم بطلب اللجوء. فاللاجئون حسب ذات الاتفاقية في تركيا هم فقط الأوروبيون المضطرون لمغادرة بلادهم (Ulukütük، 2017، 44-46).
وكان الاتحاد الأوروبي قد أبرم اتفاقية مع أنقرة، في تشرين الثاني 2015، وافقت أنقرة بموجبها على منع المهاجرين السوريين غير الشرعيين من العبور إلى اليونان، مقابل مساعدات مالية للاجئين السوريين على أراضيها، وخصص قسم كبير منها لدعم تعليم الأطفال السوريين، فخصص الاتحاد الأوروبي مبلغًا ماليًا يصل إلى 400 مليون يورو لدعم الأطفال السوريين في دول الجوار المستضيفة (عنب بلدي، https://www.enabbaladi.net، 17/ 9/ 2018.). وسيتم تحويل الـ400 مليون يورو مباشرة على حساب وزارة التعليم؛ وسيقدم الاتحاد 100 مليون يورو أخرى بهدف دعم البنى التحتية للمدارس (ترك بريس، https://www.turkpress.co ، 21/ 12/ 2018).
وتعتبر وزارة التربية الوطنية مسؤولة عن ضمان وإدارة حصول اللاجئين على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والمدارس (ومراكز التعليم المؤقتة) وبرامج التعليم غير الرسمية (بما في ذلك دروس اللغة التركية ودورات تنمية المهارات التي تقدمها مراكز التعليم العام).
(UNHCR، https://help.unhcr.org/turkey/ar/information-for-syrians ، 2019).
السياسة التعليمية لللاجئين السوريين في تركيا.. الجزء 2
السياسة التعليمية لللاجئين السوريين في تركيا.. الجزء 3
السياسة التعليمية لللاجئين السوريين في تركيا.. الجزء4
السياسة التعليمية لللاجئين السوريين في تركيا..الجزء 5