تخطى إلى المحتوى

من هو أحمد زويل الذي قال: هل ينتظر العالم إبادة سوريا؟

حافظ قرقوط


في 2 آب/ أغسطس 2016، توفي العالم المصري أحمد حسان زويل، الذي قال يومًا: إن الغربيين “ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل!”، وعلى الرغم من هذا، طلب زويل في وصيّته أن يُدفن في مصر، وطنه الأم الذي غادره إلى الولايات المتحدة؛ ليحصل على درجة الدكتوراه في علوم الليزر منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم حصل على الجنسية الأميركية في عام 1982، ليعود إلى مسقط رأسه مصر، وقد استراحت خلايا دماغه إلى الأبد، ليسجّى جثمانًا في تراب الوطن.

لا شك في أنها عاطفة البشر الطبيعية نحو أوطانها الأم، على الرغم من أنها منعت عنهم الهواء والشمس، وقتلتهم إما بالترقّب والانتظار، ضمن دائرة الحلم أو الشقاء، أو في السجون والمتاهات المظلمة، أو ملاحقين في الزواريب الضيقة، أوطان ضاقت بأبنائها على الرغم من مساحاتها الواسعة.

ولد زويل في 26 شباط/ فبراير 1946 في مدينة دمنهور لأسرة بسيطة مكافحة وترعرع في مدينة الاسكندرية، كان والده يعمل في تجميع الدراجات ثم توظف في الدولة، أكمل زويل دراسته وتخرج من جامعة القاهرة من قسم الكيمياء والفيزياء وتابع دراسة الماجستير فيها، ثم عمل مدرساً لحوالي سنتين.

سافر زويل مع زوجته ديمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودرس الدكتوراة في جامعة بنسلفانيا، ثم تابع أبحاثه في جامعة كليفورنيا بريكلي، وبدأ تدريس الفيزياء الكيميائية بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1976.

في 1982 حصل زويل على الإقامة في الولايات المتحدة، وعيّن رئيساً لقسم الكيمياء، في عام 1995 وبقي في هذا المنصب حتى وفاته. ولكن والده توفي في مصر عام 1992.

تميز في مجال كيمياء الفيمتو femtochemistry “الفيزياء الكيميائية” حيث يدرس المستوى الزمني الصغير للتفاعلات الكيمياوية فيمتو ثانية وهو مليون مليار جزء من الثانية.

عام 1991 صمم المجهر الإلكتروني فائق السرعة رباعي الأبعاد (4D) للمساعدة في فهم تعقيد وطبيعة التحولات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية.

وفي 2014 نشر كتابه The 4D Visualization of Matter.

كما نشر طوال حياته أكثر من 600 ورقة علمية و14 كتابًا، منها The Chemical Bond: Structure and Dynamics في عام 1992 وPhysical Biology: From Atoms to Medicine في عام 2008.

حصل على العديد من الجوائز والتقدير من قبل مؤسسات الشهيرة، وحصل على الياقة الكبرى من النيل Grand Collar of the Nile، وهو أعلى شرف في مصر.

جائزة نوبل في الكيمياء التي حصل عليها زويل عام 1999، نتيجة أبحاثه التي أتاحت مراقبة حركات الذرات أثناء التحولات الجزيئية في زمن الفيمتو ثانية، تدفع الإنسان للنظر إلى الزمن الذي فات؛ ليجده ثقيلًا بطيئًا، هكذا العالم الذي بدأ يقيس أجزاء الثانية لحركة ذراته، بينما تقيس بعض الأوطان حجم تنفّس أبنائها، ومستوى علو صرخاتهم.

في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2012، كتب العالم زويل الذي غادر عالمنا، في صحيفة البيان الإماراتية، عن سورية، وقال في خاتمة موضوعه: “مع حلول موسم العطلات المسيحية بعد أسابيع، سيكون من العار أن نحتفل بميلاد رجل السلام والإنسانية، الذي كانت اللغة الآرامية هي لغته الأم التي لا تزال تُستخدم في معلولا بسورية، في الوقت الذي تهيمن عمليات الإبادة الجماعية على الأراضي نفسها، التي كان هو وحواريوه يجوبونها قبل ألفي عام”.

رحل زويل ومازالت آلة القتل والتدمير تطحن بلد الأبجديات واللغات، وتغتال حضارة الإنسان الأولى، ومازال العالم يراقب إعدام مدن سورية سُجّلت على صفحات التراث العالمي، كأحد أقدم مدن التاريخ.

لم يصغ العالَم لنداء زويل الذي قال في موضع آخر: “إن سورية هي الوريث الفخور لحضارة قديمة، ذات طيف فريد من الأقليات، يضم المسلمين والمسيحيين من طوائف متعددة، فهناك -على الأقل- عشر جماعات عرقية ودينية من هذا القبيل. وعلى امتداد قرون، عاشت جميعها معًا في سلام، والآن، ومع احتدام الحرب الداخلية، فإن هذه الوحدة تتفكك، متحولة إلى حرب مدنية وقبلية، لن تقضي على سورية بوصفها أمّة فحسب، وإنما سوف تمتد رحاها إلى باقي منطقة الشرق الأوسط”.

زويل المتزوج من سيدة سورية، هي الطبيبة ديما الفحام، ابنة شاكر محمد الفحام، الأديب والأكاديمي السوري الذي بذل حياته في خدمة اللغة العربية، عبّر عن موقفه المناصر للسوريين في نضالهم لأجل حريتهم، من منطلق اختصاصه أيضًا كباحث في الكيمياء، حيث أشار إلى استخدام النظام السوري الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه، وطالب المجتمع الدولي بفرض حظر جوي وتقديم المساعدة للسوريين؛ لأجل تقويض قدرة النظام على قصف الأبرياء من الرجال والنساء، في مقال بعنوان: (هل ينتظر العالم إبادة جماعية في سورية).

حصل زويل على ثلاثين جائزة دولية، ونال عدة أوسمة، وخمسين درجة فخرية في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والقانون والطب والآداب الإنسانية، وعينه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في المجلس الاستشاري الرئاسي، ومن ثم، كأول مبعوث علمي للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط، ولم تصغ له أي دولة من تلك الدول التي منحته الجوائز، ولم تردّ على تأكيده المبكر قبل رحيله بأن الأسد “يخوض حربًا ضد أبناء شعبه، فيقصفهم من البحر، ويضربهم بالقنابل من الجو، ويقتلهم داخل منازلهم، وأن أكثر من 40 ألف شخص لقوا حتفهم، ولاذ أكثر من مليون شخص بالفرار خارج البلاد، فضلًا عن مئات الألوف الذين أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، مثل تركيا والعراق ولبنان”.

إقرأ أيضاً
ممدوح عدوان
عمر أبو ريشة
لطفي الحفار

%d مدونون معجبون بهذه: