كوهين وبلوة السوريين

حافظ قرقوط
لم يكن ينقص جراح السوريين إلا أن يتسلى بها إيدي كوهين، تسع سنوات مرت وقد تمدد القهر ليضع حمله الثقيل على كل البيوت السورية حاملاً على وجهه ماركته المسجلة باسم آل الأسد ليؤكد أن هذه الأعوام هي حصيلة عقود من النخر في هذا الوطن من كل اتجاهاته كوباء تفشى حتى النخاع.
بين تفاهة السياسة السورية الرسمية بوجوهها كافة، وتفاهة تغريدات كوهين، يدرك السوريون بغريزتهم أين يكمن السر الذي نكّد عيشتهم منذ أن أعلن أباطرة نضالهم العظيم المضي لتحريرهم من جهلهم وتخلفهم المفترض في عقل الأسد ورفاقه وجبهته الوطنية والقومية واليسارية ودور إفتائها بطوائفها المختلفة بصلواتها المتخمة بالنفاق والمغلفة بالطهر، حيث أتخم السوريون بمزيد من التقدم والاشتراكية المغلفة بالشعارات على طريقة يا قوادين العالم اتحدوا بوجه هذه الأرض ومن عليها.
بشار الأسد الذي مر على جريمته المتكاملة الأوصاف أكثر من تسع سنوات وصفها كوهين بحسّه المرهف على أنها مهمة كانت ملقاة على عاتقه وإن لم يكمل كوهين تصنيفاتها يمكن أن نكملها عنه حيث كانت بمثابة صك غفران جزؤه الأكبر إسرائيلي لتدمير ودفن وتفتيت وتطييف وتجويع وتعطيش وتطفيش وكل أدوات وأفعال الخسة وأخواتها بحق السوريين، ليتلو عليه ذلك الكوهين الهجين بين الصحفي والمخبر صلوات التبارك في أيام أعياد القيامة بين الشرق والغرب حيث استثمر الأسد الأب للبيع والشراء وأورث أدوات اللعبة لابنه البار لتراث البيت وأصدقاء آل البيت دولاً وأفراداً، يسارا عفناً وقومجيين على طريقة غوار الطوشة وطوشة إسلاميين على على طريقة شعبولا حين يغني أنا بكره إسرائيل، يجمع كل هؤلاء وجه قبلتهم بالصلاة نحو طهران.
بشار الأسد الذي رمى رأسه على كتف صديقه الرياضي جداً فلاديمير بوتين الذي يمر طريقه نحو دمشق من تل ابيب وبالذات من بين بركات نتنياهو، يعرف جيداً بذكائه الخارق كالعادة وبحسابات الرياضيات لابنه حافظ نجل مسيرة التحديث والتطوير بأدواتها القرداحية ومستلزماتها السورية، أن كوهين فرخ البط عن بوتين يدخل كما طيران أسرائيل باللحظة المناسبة لتلميع البطل المقاوم كما لمعت ربيبها حسن نصر الله منذ عقود وأهدته انسحابها من لبنان كنصر مزعوم، يدرك الأسد أن اللعبة الآن وإن بدت بظاهرها حامية الوطيس للآخرين المفترضين الذين أغدق كوهين عليهم النعم بترشيحهم لقيادتنا وصنع مستقبلنا، هي أشبه بالألعاب الإلكترونية التي كان يتلهى فيها ببداية الثورة، فيتلهى الآن القادة الميامين ببياناتهم وتحليلاتهم ويرفدوننا بما بخلت علينا به منصات معارضتنا الغراء من بيانات ترقى لحجم رئاسة نكبتنا.
وكأن السوريين لم يكفهم أسلحة بوتين والأسد وإسرائيل وإيران وفصائل الغفلة التي أفتت بالبلاد قتلاً وتقسيماً ونهباً ليطل علينا مؤخراً التاريخ الناصع لأحد أبرز المتكلمين باسمها لؤي المقداد بملفات النصب والاحتيال، مكملاً ملفات استثمارات قادة جيش الإسلام في اسطنبول، معرجاً على ما ظهر من رواتب سابقة لحكومتنا المؤقتة ووزرائها وموظفيها الأغراء ووجوههم السمحة، مؤرخاً لمناقب ائتلافنا حين يتجول بين العواصم ماسكا حقيبة إغاثتنا وموزعاً هبات دماء السوريين على جولات مفاوضات جنيف أو جولات المبعوثين الدوليين بداية من الدابي وليس انتهاء ببيدرسون صاحب مقولة أطعموا السوريين ابتسامات فبالابتسامات نبلسم بها الهفوات ونختفي ليحين وقت الصلاة والدستور وما لف لفيفه من قادة فكرنا وثورتنا منذ مؤتمر سميراميس حتى بيان أطلقوا المساجين لحمايتهم من كورونا ثم استراحوا لحين موعد بيان قادم.
مجلس ثوار دير الزور أخيراً اكتشف أيضاً أن هناك مليون دولار وبضع كيلوات من الذهب فقط في بيت أحد أركانه المتمدد إلى عمق قناة الجسر حيث إعلامنا المعارض المشبع هو الآخر بالفكر والمفكرين المتمولين بكل ما يلزم لتشكيل إعلام معاصر على طريقة فصائل الغفلة حين استلمت منصة دماء السوريين مقابل جحافل مرتزقة الأسد، فيكتمل المشهد بين السياسة والإعلام ومراكز البحث ومنصات المعارضة ليصار إلى أن يصبح الأسد الكوهيني البوتيني حلاً لسوريا المنكوبة نظرا لاختفاء البديل الناضج بين السفرجل والعلقم.
استطاع كوهين أن يشعل أعواد البخور فصعد الجان من بين خيوط دخانها ليعلن أصحابها قبل أن يحين موعد السوبر ستار الرئاسي قائلين: شبيك لبيك كلنا على أبواب إسرائيل قبل صياح الديك، كلهم تناسوا صياح الديك الصغير على مزبلة السوريين رامي مخلوف في بداية الثورة حين قال أمننا واحد وأملنا واحد يا إسرائيل لنصبح كلنا على موائد اللئام بانتظار غوار الطوشة أن يختم المشهد على طريقة صح النوم.
مقام رئاسة سوري بين رئيس الغفلة ووجه معارضة صفراء ومغرّدين بوزن القال والقيل والفيل الذي يهوج كما يحلو له بالمنطقة، يعيش السوريون نكباتهم ويكملونها بابتساماتهم التي تهزأ بكل القتلة منتظرين فجراً جديداً يشبههم وحدهم ويشبه أحلامهم المؤجلة جيلاً بعد جيل منذ عقود وعقود.