الفن رسالة اختلفت مضامينها بألسنة الحثالة

صفاء مهنا
يتحفنا بين الحين والآخر أحد الفنانين بتصريحات وتعليقات حول ما يدور في سوريا من أحداث ومآسي، معتبرا نفسه شاهدا وحكما في الوقت ذاته، لتحمل تعليقاته كل ما تخزّنه نفسه وأخلاقه من انحدار وانحطاط لم يشهده الفن، تصدر عن فنان من المفروض أنه مرهف الإحساس وراقي المشاعر..
من الطبيعي أن يلعب الفن دورا كبيرا في تحريك الشعوب وتوجيهها بعض الأحيان، ولطالما كان له بكل أنواعه هذا الدور عبر التاريخ، حيث يدخل تأثيره إلى النفوس مباشرة سواء كان من حيث المادة أو الموضوع الذي يقدمه، أو من حيث حضور الشخصية، والتي كان للعديد منها كبير الأثر باعتبارها قدوة أو رمزا يرى كثير من الناس صورة أو انعكاسا لهم فيها.
كذلك الملاحظ عبر التاريخ، أنه كما كان هناك شعراء ومداحون للسلطان، تظهر قريحتهم وتزدهر بشكل يتناسب طردا مع دراهم السلطان التي تدخل جيوبهم، أيضا نجد بين فناني هذه الأيام، العديد ممن كبروا وتضخموا، برعاية أمنية ومالية من رجال سلاطين هذه المرحلة، حتى آن أوان انفجار مشاعرهم المصنعة والتي لم تكن يوماً لتكبر بطريقة طبيعية، فكانت أشبه ببالون نفث فيه هواء فاسد وعندما انفجر، أين سيذهب وينتشر ذلك الهواء ويختفي.. لا بد أن يطال المحيط بأكمله.
فنانو السلطان اليوم، أوغلوا بالانحطاط حتى السفالة، وغاصوا بالعهر حتى القاع، فأعميت عيونهم عن مشاهد يندى لها الجبين، ونطقت ألسنتهم بالحقد والكراهية وحتى الرذيلة. فلم يروا المشهد السوري إلا من فوهة بندقية الأسد التي سلطها على الشعب من عشرات السنين، لتصب حممها دفعة واحدة عليه عند الطلب، ومع ذلك سيكون هو المنتصر برأي أولئك الذين تصدروا الحالة الفنية السورية وتاجروا بمحبة الناس لهم فانتفخت كروشهم وصغر عقلهم.
نماذج كثيرة يمكن عرضها في هذا السياق ويعرفها السوريون ومن المؤكد أنهم لن ينسوها.. حيث تتفتق عبقرية أولئك الفنانون “التشبيحية” عندما يتحسسون جيوبهم مع التعاقد على مواسم العروض الرمضانية.. يضاف إليهم عدد ليس بقليل من الفنانيين العرب الذين نالوا بعض الشهرة وخاصة من مصر التي من المفترض أن تكون بوصلة الفن العربي لكن ذهب بعض فنانوها إلى الكثير من الإسفاف وزار بعضهم الأسد ولم يكترثوا إلى كل مآسي السوريين وكأن الشعب السوري لا ينقصه مثل هؤلاء “الأركوزات” حتى يتطاول عليه فنانون عرب من هنا وهناك يتشفون بجراحه ويشمتون بآلامه، بل أبعد من ذلك، هم ينكرون ما حصل ويحصل له وينكرون عله حقه حتى بالحزن على من فقدهم، ويدعون أن ما يظهر على الشاشات من مجازر هو محض فبركة وادعاء، فأي مدرسة فنية خرجت مثل هؤلاء . وأيضاً هؤلاء أسماؤهم عديدة وتعرفهم الشعوب التي رفعتهم إلى هذا المستوى فنزلوا بها وبالفن إلى الحضيض وليس من المهم عرض أسمائهم.
بالتأكيد ثورة كثورة الشعب السوري لا تحتاج لتقييمها لآراء شخصية وتاريخ الشعوب لا يتوقف على بضعة مهرجين باسم فنانيين لم يروا وجوههم إلا من خلال مرايا الحكام، ليجدوها فاقعة اللمعان، فتوقف عندهم بعد النظر حتى لم يعودوا يروا العالم والحياة إلا من خلال حاكمهم المقدس. وجراح كجراح الشعب السوري نزفت دما طاهرا عصيا على الشماتة والاستخفاف، هي أكبر من أن تنالها بعض نكات من هنا وتعليقات من هناك، وأطهر من أن تدنسها طفيليات لا تنمو إلا في أجواء موبوءة.