تخطى إلى المحتوى

من الذي أنقذ النظام من السقوط عام 2012 وكيف ؟


د. كمال اللبواني

ما سأذكره هنا من وقائع وحيثيات حصلت عليه من أصدقاء أمنيين دوليين يطلعون بحكم موقعهم على ملفات النظام التي صارت للبيع وبدأت بالتسرب ، والتي سنتابع نشرها تباعا بحسب تسلسل وصولها ، حرصا منا على نقل الحقيقة للشعب السوري الجريح ، ( والتي ما كانت لترفع عنه صفة السرية لولا المباشرة بتنفيذ خطة استبدال بشار ) ، أما التحليل وربط الأحداث فهي محاولة مني لتقييمها وتقدير مدى صوابيتها ومنطقيتها ، ولكم أن تصدقوا أو تكذبوا فما سنقوله مؤسف وصادم ولم أكن أتمنى أن يكون بهذه الصورة في يوم من الأيام :

الكثيرون يتهمون إسرائيل بأنها هي من أنقذت النظام السوري من السقوط ، كما تدعي ايران أيضا أنها أنقذت النظام من السقوط عام 2013 ، وتدعي روسيا أنها فعلت ذلك عام 2015 ، لكن الحقيقة التي يجب على الشعب السوري معرفتها ، أن النظام كان آيلا للسقوط بداية عام 2012 و أن من أنقذه فعلا هي الأنظمة العربية بقيادة المملكة السعودية وتعاون دول أخرى عربية واقليمية ، فالمعلوم أن التعاون والتنسيق الأمني بين الدول العربية يبقى قائما مهما بلغ حجم التناقضات والخلافات السياسية بينها ، وأن هذه الأنظمة لاتفكر إلا بأمر واحد هو بقاءها حاكمة ، وقد تعاونت بتنسيق كامل لاحتواء الربيع العربي الذي يهددها جميعا من دون استثناء ، وأن الدول الغربية كانت راضية عن الإدارة الإقليمية لهذا الملف ، بهدف إبقاء الشعوب العربية تحت نير الاستبداد (الوكيل عن الاستعمار) كشكل آخر للهيمنة اعتمدته حتى الآن ، يومها كانت اسرائيل أيضا غير معنية في بقاء أو سقوط النظام ولا تهتم لذلك ، بل كانت تراقب بغبطة تحطم وانهيار قدرات دول الجوار خاصة الممانعة ، واستنزاف خصومها في معاركهم الداخلية.

منذ بداية الثورة عمدت دول الخليج على إرسال تلفونات ثريا للثوار لتستخدمها للتجسس على الثورة ونقل المعلومات للنظام ، وعلى إرسال المال لشخصيات معينة لاحتواء الثورة الشعبية وضبط سلوكها بحيث لا تتوجه للعاصمة ولمفاصل الدولة الأساسية ، وحصرها داخل مدن وقرى منعزلة وافشال التنسيق بينها على مشروع متكامل لاسقاط النظام يمر عبر التركيز على معركة العاصمة . وركزت في البداية على ريف دمشق ومنعه من التوجه للعاصمة وهو ما نفذه وكلاءها بدقة وحرفية من عسكريين ومشايخ ساهموا في افشال الدعوات للاعتصامات في الساحات العامة ومنها ساحة العباسيين والأمويين …. سياسيا دعمت انشاء مجالس تمثيل انتهازية سياحية في الخارج ، منفصلة تماما عن الثورة لحرمانها من انتاج قياداتها المخلصة لها والقادرة على تحقيق النصر .، وأرسلت المال لشراء الولاءات واثارة الخلافات وتحويل الانتباه عن الهدف الوطني للمصالح الخاصة ، ولم تنزعج من تكاثر الفساد ولا من تمويل مجموعات خلبية تبيعها أفلام فيديو عن عمليات وهمية .

ومع ذلك كانت الثورة الشعبية العفوية المنظمة محليا وذاتيا بداية عام 2012 تتخذ مسارها صعودا نحو اسقاط النظام ، فقد استطاع ريف دمشق بمعظمه التحرر من قبضة النظام ناهيك عن أحياء من دمشق ذاتها ، وعن محافظات أخرى ، وأصبحت القضية متوقفة على مصير وسط العاصمة دمشق ، حيث عمل شبانها بطريقة ذكية وسرية على تنظيم عملهم ، بالتعاون مع عناصر مؤمنة بالثورة كانت ما تزال تعمل في كل أجهزة النظام التي أصبحت عاجزة تماما بفعل الاختراقات الهائلة التي أفقدتها ثقتها بنفسها وجعلتها مكشوفة تماما أمام الثوار ، بينما عجز النظام وبشكل كبير عن متابعة واكتشاف تنظيمات الثورة ، ودخل في حيرة كاملة ، ولم تستطع ميليشيات حزب الله ومخابراته ومعها الحرس الثوري الإيراني فعل ذلك لكونها تعمل على أرض غريبة لا تعرفها ، بينما كان شبان دمشق يعرفون جيدا تفاصيل بلدهم وتفاصيل مؤسسات النظام ، وما سيقوم به النظام ، ويعملون بسرية تامة من دون استخدام الأجهزة القادمة من الخارج ، ويملكون أدوات التنسيق المتكامل التي تحقق تنفيذ ضربات موجعة له بأسلحة خفيفة ، وهكذا استطاعوا وضع استراتيجية متكاملة للانقضاض على النظام في قلب العاصمة واسقاطه والسيطرة على المباني الحكومية بما فيها فروع الأمن والأركان والإذاعة بالتعاون مع الأهالي ومع منشقين سريين داخل تلك المؤسسات ،
كانت رسالتهم الهامة القوية مجموعة ضربات نوعية موجعة منها مهاجمة قصر بشار شخصيا ، و الفرع 201 وقتل 200 عنصر من خيرة الحرس الجمهوري في الشهر الرابع 2012 ، تلك الرسالة التي جعلت الرعب يدب في أركان النظام ، ودفعت كلا من بشار وماهر لإرسال عائلاتهم للبنان لوضعهم في حراسة حزب الله هناك ، وتجهيز طائرتين للفرار للسعودية في مطار المزة عند حصول عمل عسكري واسع متوقع أن تقوم به مجموعات سرية ، قدرت بعشرات المجموعات المكون كل منها من عشرات الناشطين المدنيين والعسكريين والتكنوقراط ، موزعة في كل العاصمة وتستطيع حشد الدعم والمؤازرة من داخل أجهزة الدولة ومن مقاتلي الريف المحيط بدمشق ،

هنا استعانت المخابرات السورية بالمخابرات العربية مجددا ، فالخطة القديمة المعتمدة على قدرات النظام العسكرية في المواجهة المدعومة ماليا وعسكريا من دول عربية ، وعلى مساعدة الدول العربية في احتواء الثورة ولجمها بالمال وبالقيادات الانتهازية و تخفيض سقفها واشغالها بمعارك هامشية لم تعد تلك الخطة كافية ، وهنا أضافوا العامل الثاني وهو الأخطر والذي يقتضي اشراك القاعدة والجهاديين في الثورة لتشويش عمل المعارضة وحشد التأييد الداخلي والخارجي للنظام الذي أصبح يقاتل الإرهاب وليس الشعب ، والذي أصبح بديل سقوطه هو القاعدة والتطرف .
لم يوافق تيار من النظام على ذلك المقترح ، لأنه شعر أن بشار سيفر ويتركهم لمصيرهم ، بينما الحل الذي اقترحوه هو أن يتم التضحية ببشار لانقاذ أنفسهم ، واحتجوا أن الاستعانة بهؤلاء الإرهابيين كالمستجير من الرمضاء بالنار ، والأفضل والأسلم هو الإسراع بالحل السياسي مع المعارضة المعتدلة ، بما فيه التضحية ببشار لإنقاذ النظام والدولة ، وكان بندر بن سلطان من أنصار هذا الحل ، الذي اقترحه عليه جناح آصف شوكت ، والذي يتطلب موافقة عربية ودولية ، لكن رأي بندر لم يكن كافيا للسير في هذا الخيار ، فاصطدم بعدم موافقة بقية الأسرة المالكة والدول العربية الأخرى ، فهم في تقديرهم أن ازاحة بشار ستفتح الطريق نحو تغييرات كثيرة لا يمكن حسابها ، وأن المحيطين به غير قادرين على متابعة الامساك بالدولة من دونه ، وأن المعارضة الشعبية ستطيح بالجميع ، بينما بقاء بشار الذي يمسك بملفات المنطقة أسلم ، والأفضل أن يكون ضعيفا تحت اليد من استبداله والدخول في طريق وعر ، كما حصل في اليمن ، وهكذا لعبوا دورا في اقناع الأمريكان بالتخلي عن خيار اسقاط بشار ، في تلك الفترة وبعدها ، لسنوات ،

وعندما ضربت اسرائيل جبل قاسيون ضربة قوية فهم النظام أنه مستهدف وآيل للسقوط بقرار خارجي ، مجددا جهز ماهر الأسد طائرة الهروب وهم بالفعل بمغادرة سورية ، فسارع بشار للاستنجاد بالسعودية التي نقلت له التطمينات الأمريكية بأن المستهدف ليس النظام بل التواجد الإيراني الخطر على اسرائيل ( السلاح النوعي الذي يهرب لحزب الله ) ،

وبهدف تثبيت النظام لم تعترض الدول الخليجية على التدخل الإيراني في سورية بدءا من معركة القصير ، لثقتهم بالروابط العميقة مع آل الأسد ، لكن تغلغل الإيراني فاق تصورهم ، وسرق اللعبة منهم ، هنا قاموا بتشجيع الروس على التدخل في سورية فيما بعد وساندوها ماليا ، على أساس أن روسيا تحافظ على بشار وتزاحم الإيراني ، لكن التدخل الروسي صب في صالح ايران مجددا وصارت سورية بما فيها المجموعات الجهادية تبيع وتشتري مع ايران وخرجت الدول العربية من اللعبة ولم يعد النظام بحاجة لدعمها … حتى تكونت من جديد القناعة بضرورة استبدال بشار كحل وحيد لإنهاء الصراع ، وتقليص نفوذ ايران اللاعب الأقوى والأقدر على توظيف الصراع في سورية لصالحها .
أما سياسيا فالأنظمة العربية ما تزال حتى اليوم مستمرة في سياسة دعم بقاء النظام ، ويجرون المعارضة من تسوية لتسوية ومن تنازل لتنازل ومن تسليم لتسليم ، ويستبعدون من هيئات المعارضة والتفاوض كل من يتمسك باسقاط النظام ، ويستبدلونهم بصبيان وكلاء لا طعم ولا رائحة .
سرعان ما أزيح بندر من الملف السوري ، وتمت تصفية الضباط العارفين بهذا الموضوع داخل النظام تباعا بدأ من خلية الأزمة وصولا لتصفية رستم غزالة ، نهاية بضباط في الجيش الحر تعاونوا معه ، وقامت النصرة بتصفيتهم ، فالمعلومات تقول أن عملية خلية الأزمة حصلت باختراق مجموعة من العساكر الذين يفكرون بالانشقاق ويتعاونون سرا مع خلايا معارضة ، قدمت لهم الاستخبارات العربية كافة التسهيلات اللوجستية لتنفيذ العملية لكي تظهر وكأنها عمل ثوري ، فلا يتهم بها أطراف من النظام ، أو دول خارجية ، والهدف هو التخلص من أي محاولة للإطاحة ببشار من داخل النظام .

بنتيجة ذلك التوافق الأمني الذي حصل ربيع عام 2012 طلبت الدول العربية من النظام السماح لمقاتلين وقادة اسلاميين جهاديين متطرفين مجندين من قبلها بالدخول لدمشق وريفها والتنسيق معهم ، وقدم لهم حزب الله الكثير من السلاح ، ودعمتهم دول الخليج بالمال ، وهكذا زار الجولاني فرع المنطقة التابع للمخابرات العسكرية لوضع الخطط ، وبدأ بتنفيذ عملياته بالتنسيق مع الأمن العسكري داخل مدينة دمشق بداية من تفجير القزاز ثم المربع الأمني … ونشر الصور والأفلام والجثث المتفحمة ، وتبني العمليات علنا باسم جبهة النصرة ( لاحظ أن الإسم معاكس تماما للهدف ) التي لم تتأخر في الإعلان عن ارتباطها بالقاعدة ومبايعة الظواهري وليس المخابرات العربية والسورية … لتكرر فعلتها في كل ريف دمشق وبقية المناطق ، فالمزاودة على الثورة وإظهار القوة النوعية شجع البعض على التواصل معها ، وهنا تم اختراق وكشف المجموعات السرية العصية سابقا على أجهزة الأمن ، والإيقاع بها وتصفيتها في حملات اعتقال وقصف ومداهمات مركزة في داخل العاصمة وخارجها ، واستمر مسلسل الخيانة لجبهة النصرة وتسلمها للمناطق وتفكيكها للمنظمات المحلية ، ثم تسليمها للنظام ، وهذا ما شجع ايران على استعمال داعش التي ضربت الثورة في ظهرها بذات الطريقة . بينما استمرت جبهة النصرة بدورها المشبوه بالتواصل والاختراق والهيمنة على كل المنظمات المقاتلة ثم الانسحاب أمام النظام ، وما تزال حتى الآن . واستمرت هيئات المعارضة بدورها الخياني بتمويل ودعم خليجي واقليمي ، ودفع الشعب ثمن كل ذلك من دمائه وطنه وأصبح مهددا بالمجاعة بعد الموت والتشرد …

من يتحمل إذن مسؤولية بقاء بشار بما يعنيه من دمار سورية وقتل واحتلال وتشرد ، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، هنا يوجد من سيقول أن هؤلاء مجرد أدوات ومنفذين ، لسياسة أبعد مدى تدار عن بعد ؟ وهذا وارد لكنه يفترض الإثبات ، لأنه يعطي قدرات أسطورية غير منطقية لا تتناسب إلا مع أوهام الضعفاء ، لكن في حال وجودها فعلا ، فإن ذلك يجعلنا أمام خيارين إما الخضوع والاستسلام التام لما يطبخ لنا وعدم التفكير أبدا في الفعل أو المقاومة المحكومة بالفشل سلفا ، أو التعاون معها والبحث عن سبل أقل ضررا وهمجية لتنفيذ مصالحها، لكن في كلا الحالين يجب أن يمنعنا من السير وراء المسؤولين المباشرين عن كل ما حصل من تلاعب في سورية وشعبها وتسبب بمذبحتها ، أي كل الأنظمة والانتهازيين الذين يقبلون أن يضروا بأمتهم وشعوبهم وأوطانهم ويطيحوا بكل القيم والإنسانية خدمة لأنانياتهم أيا كانوا ، هذا هو جوهر الثورة والربيع الذي تنشده الشعوب العربية ومنه الشعب
السوري المظلوم .

عن صفحة كمال اللبواني

%d مدونون معجبون بهذه: