باسل شحادة، لو لم يستشهد بقصف الأسد لاغتاله التطرف.
د. سميرة مبيض
موقع نواة سوريا
قلة هم أنقياء الدافع والوسيلة لانتصار الثورة السورية ولعل النموذج الأبرز لهذه الفئة هم من المجتمع المدني ممن لم تبدأ ثورتهم فقط منذ آذار 2011 بل كانت استمرارية لمسار حياتهم ومنهم باسل شحادة، مخرج سينمائي، له أعمال تظهر اهتمامه منذ عام 2006 بتوثيق معاناة الأطفال من آثار الحرب في لبنان، وكذلك اهتمامه عام 2010 بحال النازحين في منطقة الجزيرة بسبب الجفاف الذي حل بها، قبل عشر سنوات من زمن تحول به نصف الشعب السوري الى نازح ولاجئ. ثورته مُحركها وعي شاب ينظر لواقع الانسان في محيط تأثيره ويسلط الضوء على معاناته سعياً لتغييرها. وسيلته هي كل ما امتلكه من مهارات وحيوية وظّفها لخدمة الثورة قبل قيامها بسنوات عديدة وبعد ان نهضت بروافعها السلمية الى أن استشهد بقصف نظام الأسد بعد أربعة عشر شهراً من انطلاق الثورة مُحتفظاً بما آمن به وعمل لتحقيقه، دون أن يشهد محاولة اغتيال الثورة معنوياً وفعلياً على يد التطرف والرايات المتشددة ومختلف أذرع السلطة التي استعملت لتدميرها، رحل عنها وبقي رمزاً لإعادة احياء جوهرها.
اغتيال الثورة كما انطلقت لم يكن ليستثني باسل شحادة، وسط هذه الأصوات التكفيرية، لا بد أنه كان سيُتهم بالعلماني حيناً، بالكافر حيناً آخر، وسترده ايحاءات كثيرة بالعمالة بحكم انفتاحه الطبيعي على العالم وتحرره من أمراض الشمولية، كان سينظر كثيرون له بتوجس متطرف ومنحرف، غير عالمين أن أبوابهم كلّما أوصدت كلما ازداد تشددهم المرضي سوءاً. لابد ان بوقاً ما لنظام الاسد، بمسمى اعلامي، كان سيحرض ضد باسل شحادة بكونه حمل صورة ووثائقياً ولم يحمل بندقية وسكيناً، سينعته كُتاّب ومروجو الفتنة بالجُبن محفزين كثيرين بذلك على الانضواء في كنف الهمجية، غير عالمين أن الأقوياء نادراً ما يحتاجون للأسلحة وأن عملاً ينجزه باسل وكل من يشبهه من نساء ورجال من كافة المذاهب والطوائف بإخلاصهم لإنسانيتهم ووطنهم يساوي بأثره ألفاً من حملة السلاح بيدهم والتطرف في لسانهم وقلمهم نفوسهم.
فكر التغيير هو العدو الحقيقي للأسد، وليس أي فكر يشبهه بل ذلك يُعززه ويقويه ويرسخ مكانته، فلا يُحارب الفساد بفاسدين ولا يُسقط الظلم الا حكم عادل ولا يغير الجمود والتجهيل والتقهقر الا الحداثة والانفتاح ولا ينقذ من التشدد الا الاعتدال، فماذا سننتظر ممن تمسك بأدوات الأسد ليدعي مُحاربته بها..
لن ننتظر منهم شيئاً بل هو حلم باسل شحادة وألوف من الشباب والشابات السوريين هو ما سيتحقق، هؤلاء ممن حملوا الثورة ايماناً بالإنسان وبحقه بالحياة ويحمل مسار التطور الإنساني حلمهم للتحقق وليس علينا الا رفده دوماً بما استطعنا ونترك للعقل الجمعي مهمة الصعود من هذا المستنقع، ونترك لمن يرفض النجاة قوارب الإنقاذ الاخيرة، لكن لا نُغرق معهم بلداً اكتفى من المستنقعات ولا نربط بمصائرهم شعباً اكتفى من الهمجية والتشدد والتشدد المُضاد له ولا نترك لهم فكر الحرية يغتالونه بقيد التطرف أو بارتهان السلطة، أو المال، أو تلك البقعة السوداء التي تدفع بحاملها للانتقاص من احترام انسان بسبب قوميته أو دينه.
ليكن ذكره الطيب مؤبداً، وليبقى فكر الحرية حي بمن آمن به.